
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
المقدمة
قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي القُرءَانِ الكَرِيمِ: ﴿وَللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَائِهِ سَيُجزَونَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ﴾، [سورة الأعراف: ١٨٠].
فَكُلُّ أَسمَاءِ اللهِ تَعَالَى حَسَنَةٌ لَائِقَةٌ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يُدعَى اللهُ تَعَالَى وَلَا يُوصَفُ بِاسمٍ لَم يَرِد تَسمِيَتُهُ بِهِ فِي القُرءَانِ وَالحَدِيثِ أَو بِصِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أسماء الله الحسنى
اعلَم أَنَّ اللهَ وَصَفَ نَفسَهُ بِأَنَّ لَهُ الأَسمَاءَ الدَّالَّةَ عَلَى الكَمَالِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿وَللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَائِهِ﴾، [سورة الأعراف: ١٨٠]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَيًّا مَا تَدعُوا فَلَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى﴾،[سورة الإسراء: ١١٠]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحمَٰنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يُشرِكُونَ * هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾، [سورة الحشر: ٢٢-٢٤]،وَالحُسنَى أَيِ الدَّالَّةُ عَلَى الكَمَالِ، فَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ اسمٌ مِن أَسمَاءِ اللهِ تَعَالَى دَالًّا عَلَى خِلَافِ الكَمَالِ.
ثُمَّ أَسمَاءُ اللهِ الحُسنَى يُطلَقُ عَلَيهَا صِفَاتُ اللهِ وَيُطلَقُ عَلَيهَا أَسمَاءُ اللهِ، إِلَّا لَفظَ الجَلَالَةِ (اللهُ) لَا يُطلَقُ عَلَيهِ أَنَّهُ صِفَةٌ.
وَأَسمَاءُ اللهِ تَعَالَى قِسمَانِ:
قِسمٌ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيرُهُ، مِنهَا:
-
- اللهُ
- وَالرَّحمٰنُ
- وَالقُدُّوسُ
- وَالخَالِقُ
- وَالرَّزَّاقُ
- وَالخَلَّاقُ
- وَالرَّازِقُ
- وَمَالِكُ المُلكِ
- وَذُو الجَلَالِ وَالإِكرَامِ
- وَالمُحيِي
- وَالمُمِيتُ
- وَالإِلَهُ
- وَالرَّبُّ
- وَالقَيُّومُ
أَمَّا أَكثَرُ الأَسمَاءِ فَيُسَمَّى بِهَا غَيرُ اللهِ، فَيَجُوزُ أَن يُسَمِّيَ الشَّخصُ ابنَهُ رَحِيمًا، مَعَ اختِلَافِ المَعنَى فِي حَقِّ المَخلُوقِ وَفِي حَقِّ الخَالِقِ.
أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية وهو مذهب الجمهور
لَا يَجُوزُ أَن يُسَمَّى اللهُ بِمَا لَم يَرِد بِهِ تَوقِيفٌ، أَي لَم يَرِدِ الإِذنُ بِهِ شَرعًا وَلَم يَرِد تَسمِيَةُ اللهِ بِهِ فِي القُرءَانِ وَالحَدِيثِ، قَالَ ابنُ فُورَكٍ فِي مَقَالَاتِ الأَشعَرِيِّ: “وَالمَشهُورُ مِن مَذهَبِهِ (أَي مَذهَبِ الأَشعَرِيِّ) فِي أَسمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَأَوصَافِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى فِيهَا التَّوقِيفُ الوَارِدُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقُ الأُمَّةِ، فَعَلَى هَذَا الأَصلِ إِذًا وَجَبَتِ التَّفرِقَةُ بَينَ أَسمَاءِِ المُحدَثِ (أَيِ المَخلُوقِ) وَالقَدِيمِ وَأَوصَافِهِمَا، وَطَرِيقُهُ (أَي طَرِيقُ الأَشعَرِيِّ) مَا كَانَ يَقُولُ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُم (أَيِ العُلَمَاءَ) أَجمَعُوا عَلَى إِطلَاقِ أَسمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَمَنعِ أَمثَالِهَا فِي المَعنَى وَاللُّغَةِ”.
فَلَا يَجُوزُ عِندَ الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ الأَشعَرِيِّ تَسمِيَةُ اللهِ إِلَّا بِمَا صَحَّ وُرُودُهُ شَرعًا أَي بِمَا وَرَدَ فِي القُرءَانِ أَوِ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَو بِمَا أَجمَعَت عَلَيهِ الأُمَّةُ، وَأَمَّا بِغَيرِ مَا صَحَّ وُرُودُهُ شَرعًا فَلَا يَجُوزُ عِندَهُ، هَذَا شَرطُ قَبُولِهِ عِندَهُ، وقَولُ الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ الأَشعَرِيِّ إِنَّ أَسمَاءَ اللهِ تَعَالَى تَوقِيفِيَّةٌ هُوَ المُعتَمَدُ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ البَاقِلَّانِيُّ، قَالَ الإِمَامُ البَاقِلَّانِيُّ: “مَا أَطلَقَهُ اللهُ عَلَى نَفسِهِ أَطلَقنَاهُ عَلَيهِ، وَمَا لَم يُطلِقهُ عَلَى نَفسِهِ لَا نُطلِقُهُ عَلَيهِ“، وَوَافَقَهُ أَبُو مَنصُورٍ البَغدَادِيُّ حَيثُ قَالَ: “لَا مَجَالَ لِلقِيَاسِ فِي أَسمَاءِ اللهِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهَا الشَّرعُ وَالتَّوقِيفُ“.
مذهب آخر لأهل السنة في إطلاق الأسماء على الله
قَالَ بَعضُ أَتبَاعِ أَبِي الحَسَنِ: يَجُوزُ تَسمِيَةُ اللهِ بِالوَصفِ وَلَو لَم يَكُن وَارِدًا بِشَرطِ أَن لَا يُوهِمَ النَّقصَ وَيَكُونَ مُشتَقًّا، عِندَهُم يَجُوزُ تَسمِيَةُ اللهِ بِـ(الطَّاهِرِ) لِأَنَّهُ لَا يُوهِمُ النَّقصَ، فَـ(الطَّاهِرُ) مَعنَاهُ المُنَزَّهُ عَنِ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ، فَتَسمِيَةُ الأَبِ ابنَهُ (عَبدَ الطَّاهِرِ) عِندَهُم يَجُوزُ، هَؤُلَاءِ أَجَازُوا إِطلَاقَ اللَّفظِ غَيرِ الوَارِدِ عَلَى اللهِ إِذَا كَانَ وَصفًا غَيرَ مُوهِمٍ لِمَا لَا يَلِيقُ بِاللهِ تَعَالَى، وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنعِ إِطلَاقِ اللَّفظِ المُوهِمِ مَا لَا يَلِيقُ بِاللهِ عَلَى اللهِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ وَصفًا وَمُشتَقًّا، لَا فِيمَا كَانَ جَامِدًا مِن أَسمَاءِ الأَعيَانِ كَالرُّوحِ، فَإِنَّهُ مَمنُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ أَي لَا يَجُوزُ وَصفُ اللهِ بِالرُّوحِ لِأَنَّهُ اسمٌ جَامِدٌ لَيسَ مِنَ الأَوصَافِ وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّقصِ لِأَنَّ الرُّوحَ جِسمٌ لَطِيفٌ مُحدَثٌ يَتَعَلَّقُ بِالبَدَنِ وَاللهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَن أَن يَكُونَ كَذَلِكَ.
من الأسماء التي لا يجوز أن يسمى الله بها
لا يجوز أن يسمى الله جمسا
قَالَ الحَافِظُ اللُّغَوِيُّ مُحَمَّدُ مُرتَضَى الزَّبِيدِيُّ فِي إِتحَافِ السَّادَةِ المُتَّقِينَ: “وَاسمُ الجِسمِ يَقتَضِي النَّقصَ مِن حَيثُ اقتِضَائِيَّةُ الِافتِقَارِ إِلَى أَجزَائِهِ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنهَا، وَهُوَ أَعظَمُ مُقتَضٍ لِلحُدُوثِ فَمَن أَطلَقَهُ عَلَيهِ تَعَالَى فَهُوَ عَاصٍ بَل قَد كَفَّرَهُ الإِمَامُ رُكنُ الإِسلَامِ فِيمَن أَطلَقَ عَلَيهِ اسمَ السَّبَبِ وَالعِلَّةِ وَهُوَ أَظهَرُ، فَإِنَّ إِطلَاقَهُ عَلَيهِ وَهُوَ غَيرُ مُكرَهٍ عَلَيهِ بَعدَ عِلمِهِ بِمَا فِيهِ مِنَ اقتِضَاءِ النَّقصِ استِخفَافٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ كُفرٌ إِجمَاعًا”، فَمَن نَسَبَ إِلَى اللهِ الجِسمِيَّةَ وَاعتَقَدَ أَنَّهُ جِسمٌ أَو قَالَ ذَلِكَ فَقَد كَفَرَ.
وَالجِسمُ هُوَ كُلُّ شَيءٍ لَهُ طُولٌ وَعَرضٌ وَعُمقٌ كَبُرَ كَالعَرشِ أَو صَغُرَ كَالخَردَلَةِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ دُونَ الخَردَلَةِ كَالهَبَاءِ وَهُوَ مَا يُرَى فِي ضَوءِ الشَّمسِ النَّافِذِ مِنَ الكَوَّةِ أَيِ الفَتحَةِ المَوجُودَةِ فِي الجِدَارِ، وَمَا هُوَ أَصغَرُ مِن ذَلِكَ، فَمَنِ اعتَقَدَ أَنَّ اللهَ جِسمٌ أَو قَالَ بِلِسَانِهِ «إِنَّهُ جِسمٌ» فَقَدِ ارتَدَّ، لِأَنَّ اللهَ يَجِبُ تَنزِيهُهُ عَن ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ جِسمًا صَغِيرًا كَالهَبَاءِ لَكَانَ لَهُ مِثلٌ وَلَو كَانَ جِسمًا كَبِيرًا كَالعَرشِ لَكَانَ مِثلًا لَهُ فَلَم يَصلُح لِلأُلُوهِيَّةِ، وَكَذَلِكَ مَا بَينَهُمَا.
وَلا عِبرَةَ بِقَولِ بَعضِ المُؤَلِّفِينَ إِنَّ الَّذِي يَعتَقِدُ أَنَّ اللهَ جِسمٌ لا يُكَفَّرُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الجِسمِيَّةَ تُنَافِي الأُلُوهِيَّةَ فَإِنَّهُ لَو كَانَ اللهُ جِسمًا لَطِيفًا كَالنُّورِ وَالظَّلَامِ وَالرِّيحِ أَو جِسمًا كَثِيفًا كَالإِنسَانِ وَالنَّجمِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ لَم يَكُن خَالِقًا لِهَذِهِ الأَجسَامِ، لِأَنَّ العَقلَ لا يَقبَلُ أَن يَخلُقَ الجِسمُ جِسمًا، وَلَو كَانَ يَصِحُّ أَن يَخلُقَ الجِسمُ جِسمًا لَصَحَّ لِلشَّمسِ أَن تَكُونَ إِلَهًا لَكِنَّ العَقلَ يَمنَعُ ذَلِكَ، وَاللهُ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِاستِعمَالِ العَقلِ فَقَالَ تَعَالَى ﴿أَوَلَم يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ﴾، [سورة الأعراف: 185]، وَأَثنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى احتِجَاجِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الأُلُوهِيَّةِ لِلكَوكَبِ وَالقَمَرِ وَالشَّمسِ بِكَونِ الثَّلاثَةِ جِسمًا يَتَحَوَّلُ مِن حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَالتَّحَوُّلُ مِن أَوصَافِ الجِسمِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللهَ لَيسَ جِسمًا وَلا يَكُونُ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الجِسمِ كَالتَّحَوُّلِ مِن حَالٍ إِلَى حَالٍ كَتَحَوُّلِ الشَّمسِ مِنَ المَشرِقِ إِلَى المَغرِبِ، وَأَيَّدَ هَذَا بِمَا أَخبَرَ بِهِ عَن إِبرَاهِيمَ مِنَ استِدلالِهِ عَلَى إِبطَالِ دَعوَى نُمرُودَ فِي قَولِهِ: ﴿فَإِنَّ اللهَ يَأتِى بِالشَّمسِ مِنَ المَشرِقِ فَأتِ بِهَا مِنَ المَغرِبِ﴾، [سُورَةَ البَقَرَة: 258].
لا يجوز أن يسمى روحا
يُعلَمُ مِنَ القَاعِدَةِ الَّتِي أَثبَتنَاهَا حُرمَةُ إِطلَاقِ الرُّوحِ عَلِى اللهِ تَعَالَى، وَلَا عِبرَةَ بِمَا فَي بَعضِ كُتُبِ المُتَصَوِّفَةِ مِن إِطلَاقِ اسمِ الرُّوحِ عَلَى اللهِ، لِأَنَّ الرُّوحَ اسمٌ جَامِدٌ لَيسَ مِن الأَوصَافِ حَتَّى يَنطَبِقَ عَلَيهِ قَولُ بَعضِ العُلَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّقصِ لِأَنَّ الرُّوحَ جِسمٌ لَطِيفٌ مَحدَثٌ يَتَعَلَّقُ بِالبَدَنِ وَاللهُ مُنَزَّهٌ عَن أَن يَكُونَ كَذَلِكَ، وَتَعَالَى اللهُ عَن أَن يُسَمَّى جِسمًا.
وَكَذَلِكَ يُمنَعُ وَصفُ اللهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ رُوحَانِيٌّ لِأَجلِ أَنَّ ذَلِكَ مُشتَقٌّ مِنَ الرُّوحِ وَلَا يَجُوزُ وَصفُهُ بِالرُّوحِ كَمَا بَيَّنَّا.
لا يجوز أن يسمى الله ءاه
يُعلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فَسَادُ قَولِ بَعضِ النَّاسِ “ءَاه اسمٌ مِن أَسمَاءِ اللهِ” لِأَنَّ (آه) بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ لَفظٌ وُضِعَ لِلشِّكَايَةِ وَالتَّوَجُّعِ، وَقَد قَرَّرَ أَهلُ المَذَاهِبِ الأَربَعَةِ أَنَّ الأَنِينَ وَالتَّأَوُّهَ يُفسِدُ الصَّلَاةَ، وَ(آه) مِن جُملَةِ أَلفَاظِ الأَنِينِ وَقَد عَدَّهَا الحَافِظُ مُحَمَّدٌ مُرتَضَى الزَّبِيدِيُّ فِي شَرحِ القَامُوسِ اثنَتَينِ وَعِشرِينَ كَلِمَةً.
وَلَا يَصِحُّ مَا يُروَى مِن أَنَّ الأَنِينَ اسمٌ مِن أَسمَاءِ اللهِ، وَقَد أَخرَجَهُ الرَّافِعِيُّ فِي تَارِيخِ قَزوِينَ بِإِسنَادٍ تَالِفٍ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَولِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى﴾، [سورة الأعراف: ١٨٠]،فَقَد فَسَّرُوا الحُسنَى بِالدَّالَّةِ عَلَى الكَمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ اسمٌ مِن أَسمَاءِ اللهِ تَعَالَى دَالًّا عَلَى خِلَافِ الكَمَالِ، وَمَا دَلَّ عَلَى العَجزِ وَالشِّكَايَةِ وَالتَّوَجُّعِ مُستَحِيلٌ أَن يَكُونَ اسمًا للهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّقصِ لَا عَلَى الكَمَالِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الحَدِيثَ المَذكُورَ مَوضُوعٌ.
لا يجوز أن يسمى الله سببا أو علة
لَا يَجُوزُ إِطلَاقُ لَفظِ (السَّبَبِ) وَ(العِلَّةِ) عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَد قَالَ الإِمَامُ رُكنُ الإِسلَامِ عَلِيٌّ السُّغدِيُّ: “مَن سَمَّى اللهَ عِلَّةً أَو سَبَبًا كَفَرَ”، وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفسِيرِهِ: وَمِنَ الإِلحَادِ تَسمِيَةُ اللهِ بِـ(الجِسمِ) وَ(الجَوهَرِ) وَ(العَقلِ) وَ(العِلَّةِ).
لا يجوز أن يسمى الله الريشة المبدعة أو القوة
إِنَّ إِطلَاقَ بَعضِ العَصرِيِّينَ فِي زَمَانِنَا لَفظَ (الرِّيشَةِ المُبدِعَةِ) عَلَى اللهِ مَمنُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ لَيسَ وَصفًا بَلِ الرِّيشَةُ جِسمٌ، وَتَسمِيَةُ اللهِ بِالرِّيشَةِ فِيهِ نِسبَةُ النَّقصِ للهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفرٌ، وَكَذَلِكَ إِطلَاقُ لَفظِ (القُوَّةِ) عَلَى اللهِ مَمنُوعٌ أَيضًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَيسَ وَصفًا، فَـ(الرِّيشَةُ) اسمٌ مِن أَسمَاءِ الأَعيَانِ أَيِ الجَمَادَاتِ، وَ(القُوَّةُ) اسمٌ وَلَيسَت وَصفًا، أَي لَيسَت لَفظًا مِن أَلفَاظِ الوَصفِ كَـ(الطَّاهِرِ) وَ(النَّاصِرِ) اللَّذَينِ هُمَا عَلَى وَزنِ فَاعِلٍ، أَمَّا تَسمِيَةُ اللهِ بِالقَوِيِّ فَجَائِزٌ لِأَنَّ اللهَ أَطلَقَهُ عَلَى نَفسِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَن يُسَمَّى اللهُ بِالعَازِمِ وَالقَاصِدِ وَإِن كَانَ بِمَعنَى الإِرَادَةِ فَإِنَّ الإِمَامَ الأَشعَرِيَّ ذَكَرَ مَنعَ إِطلَاقِهِمَا عَلَى اللهِ.
لا يجوز أن يسمى الله كنزا
قَد نُقِلَ كَلَامٌ نَسَبَهُ بَعضُ الوَضَّاعِينَ وَافتَرَوهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِزَعمِهِم أَنَّ ذَلِكَ حَدِيثٌ قُدسِيٌّ، وَمَا هُوَ إِلَّا كَلَامٌ مَكذُوبٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى وعَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَذَلِكَ قَولُهُم: قَالَ ﷺ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: كُنتُ كَنزًا مَخفِيًّا فَأَرَدتُ أَن أُعرَفَ، فَخَلَقتُ خَلقًا فَعَرَّفتُهُم بِي فَعَرَفُونِي، فَهَذَا حَدِيثٌ مَوضُوعٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَوضُوعٌ الحَافِظُ الزَّركَشِيُّ وَالعَسقَلَانِيُّ وَالسُّيُوطِيُّ وَمُلَّا عَلِيٌّ القَارِئُ، وَمَعنَاهُ فَاسِدٌ لَا يَصِحُّ، وَلَفظُهُ مَوضُوعٌ فَاسِدٌ وَمَن أَرَادَ بِهِ الِاسمَ فَقَد خَالَفَ الآيَةَ: ﴿وَللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى﴾، [سورة الأعراف: 180]، فَالكَنزُ اسمُ جَمَادٍ، وَتَسمِيَةُ اللهِ بِهِ تَكذِيبٌ لِلدِّينِ لِأَنَّ اللهَ لَا يُشبَّهُ بِخَلقِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ﴾، [سورة الشورى: ١١]، وَمَخفِيًّا اسمُ مَفعُولٍ أَي غَيرُهُ أَخفَاهُ، وَاللهُ هُوَ المُتَصَرِّفُ فِي العَالَمِ كَمَا يُرِيدُ وَلَا أَحَدَ يَتَصَرَّفُ فِي اللهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ القُرءَانِيَّةِ وَلَو ذكَرَهُ بَعضُ مُدَّعِي التَّصَوُّفِ، فَقَد نَقَلَ شَمسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ عَنِ الزَّركَشِيِّ وَابنِ حَجَرٍ العَسقَلَانِيِّ قَولَهُم: إِنَّهُ لَيسَ مِن كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا يُعرَفُ لَهُ سَنَدٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: “لَا أَصلَ لَهُ”، وَعَبَّرَ فِي تَدرِيبِ الرَّاوِي بِلَفظِ: “بَاطِلٌ لَا أَصلَ لَهُ”.
ولا يجوز أن يطلق عليه اسم فم أو أذن
لَا يَجُوزُ أَيضًا إِطلَاقُ الفَمِ أَوِ الأُذُنِ أَو نَحوِ ذَلِكَ عَلَى اللهِ مِمَّا لَم يَرِد تَسمِيَةُ اللهِ بِهِ، لِأَنَّهَا مِن قَبِيلِ الأَجسَامِ، وَيَستَحِيلُ أَن يَكُونَ اللهُ تَعَالَى جِسمًا، إِذ لَو كَانَ جِسمًا لَجَازَ عَلَيهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الأَجسَامِ وَوَجَبَ لَهُ مَا يَجِبُ لِلأَجسَامِ كَالحُدُوثِ، وَلَصَحَّتِ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمسِ وَالقَمَرِ وَالسَّمَاءِ وَالمَلَائِكَةِ وَالجِنِّ وَغَيرِهَا، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَمَا أَدَّى إِلَى المُحَالِ مُحَالٌ.
بيان ما معنى الوجه واليد والعين إذا أضيفت إلى الله
وَرَدَ فِي القُرآنِ إِطلَاقُ الوَجهِ عَلَى اللهِ بِمَعنَى الذَّاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكرَامِ﴾، [سُورَةَ الرَّحمٰن الآية:٢٧]، وَهُنَا يَتَعَيَّنُ تَفسِيرُهُ بِالذَّاتِ لِأَنَّهُ وَرَدَ مَرفُوعًا مَوصُوفًا بِـ ﴿ذُو الجَلَالِ وَالإِكرَامِ﴾ وَالذَّاتُ المُقَدَّسُ هُوَ المَوصُوفُ بِالجَلَالِ وَالإِكرَامِ، وَلَا يَجُوزُ تَفسِيرُهُ بِالوَجهِ الَّذِي هُوَ عُضوٌ مِن أَعضَاءِ الإِنسَانِ.
وَأَمَّا العَينُ وَاليَدُ إِذَا أُضِيفَا إِلَى اللهِ فَلَا يُرَادُ بِهِمَا الجَارِحَةُ، قَالَ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاعتِقَادِ وَغَيرِهِ: “إِنَّهُمَا صِفَتَانِ لَيسَتَا جَارِحَتَينِ“، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الفِقهِ الأَبسَطِ: “لَيسَت جَارِحَةً“، وَقَالَ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ: “وَلَيسَ مَعنَى اليَدِ عِندَنَا الجَارِحَةَ إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ جَاءَ بِهَا التَّوقِيفُ، أَي أَنَّ اللهَ أَطلَقَهَا عَلَى نَفسِهِ فَنَحنُ نُطلِقُهَا عَلَى مَا جَاءَت وَلَا نُكَيِّفُ وَنَنتَهِي إِلَى حَيثُ انتَهَى بِهَا الكِتَابُ وَالأَخبَارُ المَأثُورَةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ مَذهَبُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ“.
هل يقال عن الله موجود؟
يَجُوزُ أَن يُقَالَ عَنِ اللهِ مَوجُودٌ مِن حَيثُ اللُّغَةُ وَمِنْ حَيثُ الشَّرعُ، فَالمَوجُودُ خِلَافُ المَعدُومِ، وَقَالَ الزَّبِيدِيُّ: البَارِئُ مَوجُودٌ فَصَحَّ أَنْ يُرَى.اهـ
نَصِفُ الله بما وصف به نفسه
قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: «لَا يَنبَغِي (أَي عَلَى العَبدِ) أَن يَنطِقَ فِي اللهِ بِشَيءٍ مِن ذَاتِهِ وَلَكِن يَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ وَلَا يَقُولُ فِيهِ بِرَأيِهِ شَيئًا» فَلَا يَجُوزُ أَن يُطلَقَ عَلَى اللهِ مَا لَم يُطلِقهُ عَلَى نَفسِهِ فَمَا لَم يَرِد بِهِ قُرءَانٌ أَو حَدِيثٌ أَو إِجمَاعٌ فَلَا يُطلَقُ عَلَى اللهِ فَلِذَا لَا نَقُولُ للهِ أُذُنٌ أَو فَمٌ لِأَنَّهُ لَم يَرِد بِهِمَا شَيءٌ وَلَكِن يُوصَفُ اللهُ بِالعَينِ وَاليَدِ مِن غَيرِ تَجسِيمٍ بَل بِمَعنًى يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي القُرءَانِ إِطلَاقُهُمَا عَلَى اللهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِتُصنَعَ عَلَى عَينِي﴾، [سورة طه: ٣٩]، وَقَالَ: ﴿تَجرِي بِأَعيُنِنَا﴾، [سورة القمر: ١٤]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُل إِنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللهِ﴾، [سورة ءال عمران: ٧٣]، فَنُطلِقُهَا عَلَى اللهِ لَا بِمَعنَى الجِسمِ لِأَنَّ مَنِ اعتَقَدَ أَنَّ اللهَ جِسمٌ أَو لَهُ أَعضَاءٌ فَقَد كَفَرَ.
الخاتمة
يَنبَغِي عَلَى الشَّخصِ أَن يَتَوَقَّفَ عِندَ حُدُودِ الشَّرعِ وَلَا يَتَجَاوَزُهَا لِأَيِّ سَبَبٍ وَتَحتَ أَيِّ عُذرٍ، فَلَا يَجُوزُ أَن يَتَعَدَّى الشَّخصُ الحُدُودَ إِلَّا فِي الحَالَاتِ الَّتِي رَخَّصَ الشَّرعُ فِيهَا إِلَى أَشيَاءَ أُخرَى، فَيُعلَمُ مِن ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا يَقُولُهُ بَعضُ النَّاسِ مِمَّا فِيهِ تَحرِيفُ لَفظِ الجَلَالَةِ أَو غَيرِهِ مِن أَسمَاءِ اللهِ تَعَالَى، يَقُولُونَ (اللَّا) يَحذِفُونَ الهَاءَ مِن لَفظِ الجَلَالَةِ، فَهَذَا حَرَامٌ، وَبَعضُهُم يَحذِفُ الأَلِفَ قَبلَ الهَاءِ فَيَقُولُ (الّه) بِدُونِ مَدِّ اللَّامِ، وَغَيرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفعَلُهُ بَعضُ النَّاسِ كَتَسمِيَةِ اللهِ بِالرَّازِءِ أَوِ الئَادِرِ أَو نَحوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المصادر
هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِنَ:
القُرءَانِ الكَرِيمِ.
السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
الِاعتِقَادِ لِلبَيهَقِيِّ.
القَامُوسِ لِلفَيرُوزأَبَادِيِّ.
تَاجِ العَرُوسِ لِمُحَمَّدِ مُرتَضَى الزَّبِيدِيِّ.
الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلبَيهَقِيِّ.
تَفسِيرِ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِأَبِي مَنصُورٍ البَغدَادِيِّ.
مُجَرَّدِ مَقَالَاتِ الأَشعَرِيِّ لِأَبِي بَكرِ بنِ فُورَكٍ.
تَدرِيبِ الرَّاوِي لِلسُّيُوطِيِّ.
الفِقهِ الأَبسَطِ لِلإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ.
تَفسِيرِ النَّسَفِيِّ.