إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعُطَاسُ مِنَ اللهِ، وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، وَإِذَا قَالَ آهْ آهْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ، وَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ آهْ آهْ إِذَا تَثَاءَبَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ) هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ التِّرمذِيُّ، ورواه الحافظ المجتهد ابن المنذر وابن خزيمة.
الْعُطَاسُ مِنْ نعمةِ اللهِ لأنّهُ يَدُلُّ على صِحّةِ الدّماغ، أمّا التَّثَاؤُبُ فغَالبًا يأتي منَ الشِّبَعِ، مِنَ الامتِلاءِ، مِنْ كَثْرةِ الأكلِ، أيْ يكونُ عَنِ امتلاءِ البَدنِ وثِقَلِهِ وكثرَةِ الغِذاءِ ومَيلِهِ إلى الكَسَلِ والشّيطانُ يُعجِبُه أنْ يكونَ الانسانُ كثيرَ الأكلِ، فإذا فتَحَ الإنسانُ فاهُ للتثاؤبِ فقالَ ءاه أو هاه الشّيطانُ يَدخُلُ إلى جَوفِه ويَضْحَكُ استهزاءً به.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ الْحَمْدُ للهِ فَحَقَّ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ أَنْ يُشَمِّتَهُ يَقُولُ يَرْحَمُكَ اللهُ، وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ فَقَالَ هَاهَا يَضْحَكُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ رَوَاهُ الحاكمُ في المستدرك.
قالَ الإمامُ المُناوي رحمهُ الله في “فيض القدير (فَإِذَا تَثَاءَبَ) أي فتح فاه للتنفس لدفع البخار المختنق في عضلات الفك النّاشئ عن نحو امتلاء (أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ) ندبا حال التثاؤب (يَدَهُ) أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع ويتجه أنَّهُ للأكمل وأنَّ أصلَ السّنة يحصل بوضع اليمين قيل لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى.
فلو كان لفظ ءاه من أسماء الله تعالى التي يتقرب بها إلى الله تعالى كما يزعمون لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (فإن الشيطان يضحك منه)، يُوجَدُ حَديثٌ مَوضُوعٌ (دَعُوه يَئنُّ فإنّ الأنِينَ اسمٌ مِن أسماءِ الله) يَقُولُونَ إنّ عَائشَة قَالت للرّسُولِ صلى الله عليه وسلم يُوجَدُ رَجُلٌ مَرِيضٌ يَئنُّ فنَهاه بعضُ النّاس يقُولون فقال الرّسولُ (دَعُوه يَئنُّ فإنّ الأنِينَ اسمٌ مِن أسماء الله) هذا كذب على رسول الله.
وهذا الأثر التَّالف ذكره السُّيوطيُّ ولم يضع عليه علامة الصِّحَّة ليُعرف أنَّه ضعيف غير صحيح وقد حكم المُحدِّث الحافظ أحمد بن الصِّدِّيق الغمَّاريُّ المغربي في كتابه المُغير على الجامع الصَّغير بوضع حديث الأنين.
وقال الشَّيخ مُصطفى بن حسن العُسيليُّ العدويُّ في رسالة له (وأمَّا قول المُحرِّف المُعاند إنَّه موجود في كُتُب الشَّاذليَّة ما يدُلُّ على جواز الذِّكر بلفظ (آه) إلخ.. فالعجب ثُمَّ العجب مِن قوم يزعُمون أنَّهُم يذكُرون ربَّهُم ويُعظِّمونه ويرضَون بأفعاله ويأتون بلفظ (آه) وهُو موضوع للتَّشكِّي أو التَّوجُّع.
الكلام الذي يحصلًُ من التوجع كآهٍ وآهْ مبطلٌ للصلاةِ ولو من خوفِ عذابِ الآخرةِ، وما يقول بعض الناس من المتصوفة إنَّ آه إسمٌ من أسماء اللهِ فذلك كذبٌ لأنّ علماءَ اللغةِ اتفقوا على أنّ آه وأهْ لفظٌ معناهُ الشكايةُ أو التوجُّعُ ولم يدرِ هؤلاء أنَّ الفقهاءَ قالوا ببطلان الصلاة بالأنينِ الذي يظهر فيه الكلام فلو كان إسماً من أسماءِ اللهِ تعالى ما اتفقوا على إبطالِ الصلاةِ وإن كان عند المالكية تفصيلٌ بإبطالِ الصلاةِ بالأنينِ لكنه اتفق الكلُّ على أنه ليس من أسماءِ الله والحديث الذي يروونَهُ في ذلك أخرجهُ الرَّافعيُّ في كتابه التدوينِ بإسنادٍ فيهِ رجلٌ يضعُ الحديثَ أي يفتري الحديثَ على رسول الله فهذا الحديثُ موضوعٌ لأنه سخيفُ المعنى ومن علامةِ كونِ الحديثِ مكذوباً على الرسول كونِ معناهُ سخيفاً لأنّ آهْ يدُلُّ على الضعفِ ولا يدلُّ على القوةِ فيستحيلُ أنْ يكونَ إسماً للهِ تعالى لأنّ أسماءَ اللهِ كلَّها تدلُّ على الكمالِ قال تعالى (وللهِ الأسماءُ الحُسْنى) معنى الآية أي الدَّالّةُ على الكمالِ.
وَمِنْ قَبَائِحِ جهلةِ المتصوفةِ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ في اللَّيالِي فِي مَا يُسَمُّونَهُ الحَضْرَةَ بِدَعْوَى الذِّكْرِ فَيَتَحَلَّقُونَ لِيَذْكُرُوا اللهَ بِزَعْمِهِمْ فَيُحَرِّفُونَ القَولَ وَيَعْصُونَ اللهَ بِتَحْرِيفِهِمْ لِلَفْظِ الجَلَالَةِ الله فَيَقُولُونَ ءَاه ءَاه، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يقولُ في سُورَةِ الأَعْرَافِ ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾ 180 وَمَعْنَى الحُسْنَى الدَّالَّةُ علَی الكَمَالِ، وَلَفْظُ ءَاه ليسَ مِنَ الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ علَى الكَمَالِ بَلْ هُوَ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلشِّكَايَةِ والتَّوَجُّعِ، وهذا إِلحادٌ في أَسْماءِ اللهِ أي تحريفٌ وَتَبْدِيلٌ، وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الأَزْهَرِ الأَسْبَقُ الشيخُ سليمٌ البِشْرِيُّ المَالِكي رحمهُ اللهُ عَنْ هَؤُلاءِ فقالَ حُضُورِ مَجَالِسِهِمْ حَرَامٌ.