إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
يقول الشيخ أبو بكر الكلاباذي في بيان عقيدة أهل التصوف بعد كلام له: “وذلك بعد إحكام علم التوحيد والمعرفة على طريق الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح عليه القدر الذي يتيقن بصحة ما عليه أهل السنة والجماعة، فإن وُفق في نفي شبه التشبيه التي تعترضه من خاطر أو ناظر فذاك. واعلم أن الصوفية أجمعوا على أن الله واحد، فردٌ صمد، قديمٌ عالم، قادرٌ حي، سميعٌ بصير، عزيزٌ عظيم، جوَادٌ رؤوف، متكبرٌ جبار، باقٍ أول، إلهٌ مالكٌ ربٌّ، رحمنٌ رحيم، مريدٌ حكيم، متكلمٌ خالقٌ رازق، موصوف بكل كمال يليق به، منـزه عن كل نقص في حقه، لم يزل قديمًا بأسمائه وصفاته، غير مشابه للخلق بوجه من الوجوه، لا يشبه ذاته الذوات، ولا صفاته الصفات، لا يجري عليه شىء من سمات المخلوقين الدالة على حدوثهم، موجودًا قبل كل شىء، لا قديم غيره، ولا إله سواه، ليس بجسم ولا شبح، ولا صورة ولا شخص، ولا جوهر ولا عرض، لا اجتماع له ولا افتراق، لا يتحرك ولا يسكن، ولا ينقص ولا يزيد، ليس بذي أبعاض ولا أجزاء، ولا جوارح ولا أعضاء، ولا بذي جهات ولا أماكن، لا تجري عليه الآفات ولا تأخذه السنات، ولا تداوله الأوقات ولا تعينه الإشارات، ولا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة، ولا الحلول في الأماكن، ولا تحيط به الأفكار ولا تحجبه الأستار، ولا تدركه الأبصار، وأجمعوا أن لله صفات على الحقيقة، هو بها موصوف من العلم والقدرة والقدم والحياة والإرادة والمشيئة والكلام، وأنها ليست بأجسام ولا أعراض ولا جواهر، كما أن ذاته ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر، وأن له سمعًا وبصرًا ليسا كالأسماع والأبصار، وأنها ليست هي هو ولا غيره، بل هي صفات الذات، وقد أجمعوا على أنه لا تدركه العيون، ولا تهجم عليه الظنون، ولا تتغير صفاته ولا تتبدل أسماؤه، لم يزل كذلك، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شىء عليم، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير” اهـ.