إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

أحكام الحيض وفقا لمشهور مذهب مالك رضي الله عنه (3)
 
12. ما هو الطهر ؟
الجواب: الطهر انقطاع دم الحيض والنفاس وله علامة تأتي.
13. ما هي أقل أيام الطهر بين الحيضتين ؟
الجواب: أقل أيام الطهر التام الفاصل بين الحيضتين لجميع النساء خمسة عشر يوما فمن رأت دما بعدها فهو حيض جديد مستأنَف، ومن رأته قبل تمامها فإن كانت استوفت تمام حيضها بخمسة عشر يوما أو بالاستظهار فذلك الدم استحاضة، وإن لم تكن استوفت تمام حيضها ضمته للأول حتى يحصل تمامه بالخمسة عشر يوما أو بالاستظهار، وما زاد فاستحاضة.
وتظهر فائدة التحديد لأقل الطهر التام فيما لو حاضت مبتدَأةٌ، و انقطع عنها دون خمسة عشر يوما، أي دون أقصى مدة حيضها، ثم عاودها الدم قبل استكمال طهر تام، فتلفق الدم الثاني للأول، بمثابة إذا لم ينقطع، وإنما ضمته لأنها لم تستكمل بعد أقصى أيام حيضها أي الخمسة عشر يوما، ثم ما زاد على ذلك فهو دم علة وفساد، وإن عاودها الدم بعد تمام الطهر فهو حيض مؤتنَف.
فائدة: المرأة التي تقطع حيضها تسمى بالملفقة لأنها تعمل على تلفيق أيام دمها حتى تستوفي تمام حيضها وسيأتي معنا مفصلا ما تصنعه قريبا.
14. ما هو أكثر الطهر ؟
الجواب: ليس لأكثر الطهر حد بالإجماع، فالمرأة قد تمكث دهرا لا يأتيها الدم.
15. هل تطهر المرأة قبل تمام عادتها ؟
الجواب: اتفق الفقهاء على أن المرأة المعتادة إذا انقطع الدم دون عادتها كأن كانت عادتها ثمانية أيام فانقطع في اليوم السادس فإنها تطهر، فتغتسل بانقطاعه وتصلي وتصوم ويأتيها زوجها.
16. ما هي علامات الطهر ؟
الجواب: الطهر الذي لا يصحبه دم استحاضة يكون بإحدى علامتين:
1. الجفوف: وهو أن تدخل المرأة خرقة أو قطنة في فرجها، فتخرجها خالية من أثر الدم والصفرة والكدرة، ولا يضر بللها برطوبة الفرج إذ لا يخلو منها غالبا.
2. القَصّة البيضاء: وهي ماء أبيض رقيق يأتي ءاخر الحيض يشبه ماء الجير. وهي أبلغ على براءة الرحم من الجفوف.
وتطهر المرأة بالسابق منهما على المشهور، لكن إذا رأت معتادةُ القصة الجفوف يندب لها أن تنتظر القصة لآخر الوقت المختار بحيث يسع الطهر مع إدراك ركعات الفرض قبل فراغه. ومن اعتادت القصة سواء مع الجفوف أو لا، فإنها تطهر بمجرد رؤية القصة، ولا تنتظر الجفوف لأن القصة أبلغ في الطهر منه، وأما معتادة الجفوف فقط، فمتى رأته أو رأت القصة طهرت ولا تنتظر الآخر منهما. وأما المبتدأة فإنها إذا رأت الجفوف طهرت ولا يندب لها أن تنتظر القصة.
17. متى تنظر المرأة طهرها ؟
الجواب: يجب على الحائض نظر طهرها في كل وقت صلاة وجوبا موسعا في أوله، وفي ءاخره وجوبا مضيقا بقدر ما يمكنها أن تغتسل وتصلي، ما عدا المغربَ والعشاء فتنظر طهرها عند قصدها النوم ليلا لتعلم حكم صلاة الليل والصوم، والأصل استمرار ما كانت عليه عند النوم، وإذا شكت هل طهرت قبل الفجر أو بعده سقطت عنها صلاة ليلتها فلا تطالب بقضائها، وأما الصوم فتصوم ذلك اليوم وجوبا لاحتمال كونه قبله وتقضي لاحتمال كونه بعده.
تنبيه: ليس على المرأة نظر طهرها قبل الفجر لا وجوبا ولا ندبا، بل يكره ذلك للمشقة، ومخالفة السلف، فليس هو من عمل الناس.
18. من هي الملفقة ؟
الجواب: الملفقة هي من تقطع حيضها، بحيث رأت الدم ليوم مثلا ثم انقطع ليوم أو أيام ولم يعبر ذلك الانقطاع الخمسة عشر يوما ولم تكن استوفت تمام حيضها بخمسة عشر يوما أو بالاستظهار ثم عاودها الدم مرة أخرى ضمت الدم الثاني للأول واعتبرتهما دما واحدا كما يأتي تفصيل ذلك قريبا، وهذه هي المرأة التي يعبّر عنها الفقهاء في المذهب بالملفقة، لأنها تلفق أيام دمها فتضمّها لبعضها في حساب أيام حيضتها.
19. هل على الملفقة غسل كلما انقطع عنها الدم ؟
الجواب: لا خلاف في المذهب أن الملفقة إذا رأت النقاء يجب عليها أن تغتسل، وتصلي، وتصوم، ويجوز للزوج وطؤها، لأن الظاهر بقاء الطهر، وعدم معاودة الدم. فتغتسل الملفقة وجوبا كلما انقطع الدم عنها في أيام التلفيق.
 
20. ما حكم أيام نقاء الملفقة بين الدمين ؟
الجواب: أن أيام النقاء طهر عند مالك ، وعليه فقد وقع ما فعلت في أيام النقاء من الصلاة والصوم والوطء موقعَه، فأجزأها الصوم إن كان فرضا ولا تطالب بقضائه.
21. كيف تصنع من تقطع حيضها ؟
الجواب: من تقطع حيضها بحيث لم تنتظم أيام دمها وتخللها طهر لفقت أيام الدم فقط لا أيام الطهر فتجمع أيام دمها وتلغي أيام الطهر التي تخللت حيضتها فتلفق المبتدَأةُ نصف شهر والمعتادَةُ عادتَها واستظهارَها والحاملُ في ثلاثة أشهر إلى خمسة تلفق عشرين يوما وفي ستة أشهر فأكثر ثلاثين يوما على التفصيل المتقدم في ذكر أكثر الحيض مع اختلاف حال النساء. وتذكّر أن أقل الطهر التام الفاصل بين حيضتين هو خمسة عشر يوما متصلةٌ فالطهر الذي تخلل الحيضة الواحدة هو ما كانت أيامُه أقلَّ من نصف شهر.
فخلاصة المسألة أن المرأة إذا أتاها دم، ثم انقطع، ثم بعد أيام نزل دم ءاخر، فإن كان الطهرُ الذي بين الدمين طهرا تاما وهو خمسة عشر يوما (كما مر) فالدم الثاني حيض مستأنَف. وإن كان الطهر لا يبلغ خمسة عشر يوما، أي أيامُه أقلُّ من طهر تام، فإنها تلفق أيام الدم فقط أي تضم بعضَها إلى بعض على التفصيل الذي مر في المبتدَأة والمعتادة والحامل وتسقط أيام الطهر ثم هي بعد تلفيقها أيامَ الدم التي تعدل أقصى مدةِ حيضها في ذلك الشهر تكون طاهرا والدم النازل بعد ذلك دم علة وفساد أي دم استحاضة وتكون هي مستحاضة.
وسأقرب لك هذه المسألة التي يعسر على بعض النساء ضبطها وسنضرب لك مثالا توضيحيا لامرأة معتادة، أكثرُ عادتها ثمانيةُ أيام تقطعت أيام دمها هذا الشهر وسنجعل اللون الأحمر لعدد أيام الدم واللون الأخضر لأيام النقاء وهذه صورة مسألتنا: جاءها الدم لخمسة أيام (5) ثم انقطع لأربعة أيام (4) ثم عاودها الدم مرة أخرى ليومين (2) ثم انقطع لثلاثة أيام (3) ثم عاودها لستة أيام (6) فماذا تصنع هذه المرأة؟
للجواب عن مسألتنا نقول : على هذه المرأة أن تلغيَ أيام الطهر التي في أثناء الحيض وتلحقَ الدم الثاني والثالث بالدم الأول وتجعلَها دما واحدا في الحساب كأنه لم ينقطع لأن أيام كل طهر أقلُّ من نصف شهر وهذا ما نريده بقولنا تلفق أيام الدم فقط ولكن مع اعتبار أن ما زاد على عادتها واستظهارها فهو دم علة وفساد، وهذه أكثر عادتها ثمانية أيام فما زاد على أحد عشر يوما فهو دم استحاضة فتصير مسألتها هذه كالآتي : تجمع أيام الدم الأول (5) مع أيام الدم الثاني لأنه تابع للدم الأول (2) فيصير مجموع أيام دمها سبعة ثم لما عاودها في المرة الثالثة وهي تعلم أن أكثر أيام حيضتها تلك هي أحد عشر يوما وما زاد فهو استحاضة ففي اليوم الرابع من الدم الثالث تبلغ أقصى زمن حيضتها تلك وبتمامه تطهر ولو لم ينقطع بعده فما زاد فهو استحاضة فهذه تعد نفسها في اليوم الخامس والسادس من أيام الدم الثالث مستحاضة وتغتسل في اليوم الخامس وتصلي وتصوم ولو مع وجود الدم لأنه ليس بحيض وإنما هو استحاضة. وسنقرب صورتها في هذا الشريط الزمني مدمجا ذلك بالشرح: