إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

بسم الله والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى جميع اخوانه من النبيين وعلى ءاله وصحبه الطاهرين،
 
أشهر تأويلات السّلف:
أمـا الآن سنذكـر من أَوَّلَ من السلف ومن الصحابة ومن العلماء المتقدمين:
 
عبد الله بن عباس:
عبد الله بن عباس ترجمان القرآن يؤوّل الساق على معنى الأمر الشديد
فنبدأ بمن دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يُعلمه الله التأويل ألا وهو [عبد الله بن عباس] رضي الله عنهما المعروف بين العلماء بـ[ترجمان القرءان]، حيث روى عنه [الحافظ ابن حجر العسقلاني] في [الفتح] فقال: وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى (يـَوْمَ يُكْشـَفُ عـَنْ سَاقِ) قال [أي ابن عباس رضي الله عنهما]: [عن شدة من الأمر]. انتهى، وقال [ابن حجر] في نفس الصحيفة معلقاً: وأسند [البيهقي] الأثر المذكور عن ابن عباس بـ[سندين] كل منهما [حسن]. انتهى، ونقل ذلك الإمام الحافظ [البيهقي] واللغوي المفسر [أبو حيان] في تفسيره.
 
مجاهد وقتادة:
وقد نقل [الحافظ الطبري] في تفسيره المشهور عن [ابن عباس] أنه أوّل قوله تعالى (وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَـهَا بِأَيْدٍ) قال [أي بقوة]. انتهى، وكذلك روى [الطبري] نفس هذا التأويل عن [مجاهد] و[قتادة] وغيرهم من السلف.
 
وقـد استعمـل ابـن عبـاس التأويـل في قولـه تعـالى (فَالْيَوْمَ نَنسَـهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـذَا)، حيث أوّل النسيان الوارد في هذه الآية بالترك، إذ أن الله سبحانه وتعالى مُنزه عن النسيان المعهود من البشر، لأن النسيان المعهود من البشر نقص، والنقص لا يليق بالله جل وعلا، فلذلك أوّل [ابن عباس] هذه الآية، وكذلك نقل [الطبري] عن [مجاهد] هذا التأويل، فهل يُقال بعد ذلك إن هؤلاء معتزلة جهمية؟!!، حاشى وكلا، بل الذي يرميهم بهذه الصفات لمجرد أنهم استعملوا التأويل فهو متهم في دينه.
 
ونزيدك يا طالب الحق أدلةً أخرى على جواز التأويل فنقـول:
 
الإمام البخاري وسفيان الثوري:
البخـاري صاحـب الصحيح المشهور وهو من السلف الذين ذبّوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل التأويل كما هو مدون في صحيحه قوله تعالى (كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ) قال [أي البخاري] [إلا ملكه]. انتهى، وثبت تأويل هذه الآية عن [سفيان الثوري] حيث قال [إلا ما ابتُغِيَ به وجه الله من الأعمال الصالحة]. انتهى.
 
أحمد بن حنبل:
وقد ثبت عن الإمام أحمد أنه أوَّل قول الله تعالى (وَجَآءَ رَبُّكَ) أي جاء ثوابه، رواه عنه [البيهقي] وقال [هذا إسنادٌ لا غبار عليه]. انتهى
 
الإمام مالك بن أنس:
نقل الزرقاني عن الإمام [مالك] إمام دار الهجرة أنه أوَّل حديث (ينزل ربنا)، بنـزول رحمتـه، كمـا ذكـر ذلك [الزرقاني] في شرحه على [موطأ مالك]، وقوى نسبة ذلك لمالك [ابن حجر] في الفتح والنووي في شرح مسلم.
 
فهل يُقال عن هؤلاء الأعلام، الذين هم من كبار علماء السلف الصالح إنهم جهمية أو معتزلة لمجرد أنهم أوّلوا تأويلا تفصيليا؟! أو إنهم ليسوا من الفرقة الناجية لأنهم أوّلوا بعض ءايات وأحاديث الصفات؟!
فيتبين مما نقلناه عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وسفيان وأحمد والبخاري ومالك من التأويل، أن المؤوِل لا يكون ضالاً لمجردّ التأويل إذا وافق القواعد التي وضعها العلماء للتأويل.
والحمد لله رب العالمين.