إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
أشَدّ ألم في الدنيا على الإطلاق أقلّ مِن ألم سكَرات الموت (هذه قاعدة معروفة عند علماء أهلِ السّنة)
الرسولُ محمد صلى الله عليه وسلم كانَ الموتُ عليهِ شَديدًا وسَكراتُه شَديدة، فقد قال عليه الصلاة والسلام (إنّ للمَوتِ سَكرَات) رواه البخاري ومسلم وفي لفظ للبيهقي (اللهم أعنّي على سكرة الموت).
وقال عليه الصلاة والسلام (والذى نفسى بيده لَمُعَاينةُ مَلَكِ الموتِ أشدُّ من ألفِ ضَرْبَةٍ بالسّيف والذي نفسِي بيدِه لا تَخرُجُ نَفْسُ عَبدٍ مِنَ الدُّنيا حتى يتألمَ كُلُّ عِرْقٍ منهُ على حِيَالِه) رواه أبو نعيم في الحلية، وقَد ذكَر الرسول صلى الله عليه وسلم حديثًا قال فيه بعدَ أن ذكَر فيه أَلمَ الموتِ وغُصّته فقال (هو قَدرُ ثلاثمائة ضربة بالسيف) رواه ابن أبي الدنيا ورجاله ثقات.
وقد روى البخاري ومسلم أنّ الرسول كان عنده قدحٌ ماء عند الموت فجعل يدخل يده في الماء ثم يمسح بها وجهه ويقول (اللهم هوّن عليّ سكراتِ الموت) رواه البخاري.
فماذا نقول في كلام خير خلق الله الذي غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
الرّجل الكافر عندَما يأتيْه عزرائيل لقَبضِ رُوحِه وملائكة العذاب مخوّفون فيضربُونَه مِن قُدّام ومن خلف فيلقَى آلامًا شديدةً وعذابًا شديدًا وهذا قَبلَ نَزعِ رُوحِه فيَشعر أنّ مفاصلَه تَنهَدّ كلّ مفصِل على حِدة لا يستطيعُ النُّطق ولا الحِراك.
ثم أشَدّ ألم في الدنيا على الإطلاق أقلّ مِن ألم سكَرات الموت، هذه قاعدة معروفة عند علماء أهلِ السّنة، وقد دخل صلى الله عليه وسلم على مَريضٍ ثم قال (إني لأعلَمُ ما يَلقَى مَا مِنه مِن عِرْقٍ إلا ويألم للمَوت على حِدَتِه) رواه ابن أبي الدنيا.
وكان سيّدنا علي كرّم الله وجهه يحضُّ على القتال ويقول (إن لم تقتَلُوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربةٍ بالسيف أهونُ عليَّ مِن موتٍ على فِراش).
وقال شداد ابن أوس (الموت أفظَعُ هَولٍ في الدنيا والآخرة على المؤمن وهو أشَدّ مِن نَشرٍ بالمنَاشِير وقَرضٍ بالمقَاريض وغَليٍ في القُدور).
وقالت السيّدة عائشة رضي الله عنها (لا أغبط أحداً يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدّة موت رسول الله).
وقال مجاهد في قوله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) (18 سورة النساء)، قال (إذا عايَن الرسل فعِند ذلك تَبدو له صفحَة وجهِ مَلَك الموت، فلا تَسأل عن طَعم مرارةِ الموت وكربِه عند ترادُف سكَراتِه).
ويقول أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين [اعلَم أنّه لو لم يكن بينَ يدَي العبد المسكين كَرب ولا هَول ولا عذَاب سِوى سكَرات الموت بمجَرَّدِها لكان جَديراً بأن يتنغَّص عليه عَيشُه ويتَكَدّر عليه سرُورُه ويفارقه سهَرُه وغَفلتُه].