إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

أعظم ءاية في تنزيه الله عن مشابهة الخلق ءاية الشورى (ليس كمثله شئ) تليها ءاية (وكل شئ عنده بمقدار) معناها الله تعالى خلق كل شئ من هذا العالم على مقدار مخصوص من الحجم، فالعرش حجم وهو أكبر جسم خلقه الله، وحبة الخردل حجم والجوهر الفرد حجم والظلام والنور حجمان لطيفان وكذلك الروح والريح والإنسان والنبات والبهائم أحجام كثيفة، الله الذي خلق كل شئ على مقدار مخصوص من الحجم لا يجوز أن يكون حجما بالمرة.
 
الجوهر الفرد هو أصغر الأحجام وهو الذي بلغ في القلة بحيث إنه لا ينقسم ولا يرى عادة بالعين المجردة، أما الذرة فهي أصغر ما يراه الإنسان بعينه كالشئ الذي يظهر من الكوة في نور الشمس.
 
الجسم ما تركب من جوهرين فأكثر، ويقال ما له طول وعرض وعمق وسمك وتركيب، الله الذي خلق الجسم لا يجوز أن يكون جسما ولا يجوز أن يوصف بصفات الأجسام كالحركة والسكون واللون والتغير.
 
الجوهر ما له قيام بذاته ويقال عنه الحجم.
 
العَرَضُ صفة الحجم وهو لا يقوم بنفسه إنما يقوم بالأجرام كالألوان والطعوم والروائح والحركة والسكون، الله الذي خلق الجواهر والأعراض لا يجوز أن يكون جوهرا ولا يجوز أن يوصف بصفة من صفات الأجرام، قال الله تعالى (ليس كمثله شئ) وقال تعالى (ولله المثل الأعلى) أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره.
 
المكان هو الفراغ الذي يشغله الحجم، فكل ما كان في مكان فهو حجم وكل ما كان في جهة فهو حجم، الله خالق الأحجام كلها فهو ليس حجما فهو موجود بلا مكان ولا جهة.
 
الحركة هي انتقال الجرم من مكان إلى ءاخر، يفهم من ذلك أن المتحرك جرم وله مكان، الله ليس جِرما وليس له مكان فلا تجوز عليه الحركة.
 
السكون هو ثبوت الجرم في مكان، الله تعالى ليس جرما وليس له مكان فلا يجوز أن يوصف بالسكون، الله تعالى خالق الحركة والسكون فلا يوصف بأنه ساكن ولا بأنه متحرك.
 
أقوى علامات الحدوث التغير، الله تعالى لا يجوز عليه التغير لأن هذا علامة الحدوث والحادث مخلوق والمخلوق لا يكون إلها.
 
الرسول صلى الله عليه وسلم قال (كان الله ولم يكن شئ غيره) رواه البخاري والحاكم وابن الجارود، معناه الله تعالى كان في الأزل أي فيما لا ابتداء له وحده ولم يكن مكان ولا ظلام ولا نور ولا عرش ولا كرسي ولا فراغ، كان موجودا في الأزل بلا مكان ولا جهة ولم يكن العالم كله، فلا يقال إنه كان في داخل العالم ولا في خارجه، ولا يقال كان متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه، والله لا يتغير بعد أن خلق العالم ما زال موجودا بلا جهة ولا مكان، ولا يقال إنه داخل العالم ولا خارج العالم ولا متصل به ولا منفصل عنه لأن هذا من صفات الأجرام، ولا يقال إنه جلس على العرش ولا استقر عليه لأن هذا تغير والمتغير حادث والله خالق وليس حادثا، ولا يقال إن الله في جهة فوق لأن الجهة مخلوقة وهي غير الله والله كان قبلها موجودا في الأزل وما زال بعد خلقها موجودا بلا مكان ولا جهة.
 
قال الله تعالى (وأن إلى ربك المنتهى)، قال أبي بن كعب (إليه ينتهي فكر من تفكر) معناها أفكار العباد لا تتوصل إلى الإحاطة بذات الله، فنؤمن بالله من غير أن نتمثله في قلوبنا أو نتصوره لأن المتصور مخلوق والله خالق وليس بمخلوق.