إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

أعظمُ أمورِ الإسلامِ خمسةٌ شهادةُ ألاّ إلهَ إلا اللهُ وأنّ محمدًا رسولُ اللهِ وإقامُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاة وصومُ رمضانَ وحجُّ البيتِ منِ استطاعَ إليهِ سبيلًا وأعظمُ أمورِ الإيمانِ ستةٌ الإيمانُ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ وبالقدرِ خيره وشره.
ومعنى لا إلهَ إلا اللهُ أنّ أحدًا لا يقدرُ على الخلقِ إلا اللهُ وهذا يقتضى أنه لا يَستحقُّ أحدٌ أن يُعْبَدَ إلا اللهُ ومعنى محمدٌ رسولُ اللهِ أنّ محمدَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ الهاشمىَّ القرشىَّ عبدُ الله ورسولُهُ إلى جميعِ الخلقِ صادقٌ فى جميعِ ما أخبر به ومن ذلك عذابُ القبرِ ونعيمُهُ وسؤالُ الملَكَينِ منكرٍ ونكيرٍ والملائكةُ والأنبياءُ والكتبُ والقيامةُ والبعثُ والحشرُ والحسابُ والثوابُ والعذابُ والميزانُ والصراطُ والشفاعةُ والنارُ والجنةُ والخلودُ فيهما ورؤيةُ المؤمنينَ للهِ تعالى بالعينِ فى الآخرةِ بلا كيفٍ ولا مكانٍ ولا جهةٍ وأنّ الأنبياءَ معصومونَ منَ الكفرِ والكبائرِ وصغائرِ الخسةِ قبلَ النبوةِ وبعدَها دينُهُم الإسلامُ وأوَّلُهُمْ ءادمُ وءاخرُهُمْ محمدٌ صلى الله عليهِ وسلمَ.
وَأفضلُ الواجباتِ الإيمانُ باللهِ وبرسولِهِ صلى الله عليه وسلم وأعظمُ الذنوبِ الكفرُ بأنواعِهِ وأشدُّهُ التعطيلُ وأبشعُهُ الردةُ وهى ثلاثةُ أقسامٍ اعتقاداتٌ وأقوالٌ وأفعالٌ وكلُّ قسمٍ يتشعّبُ شُعَبًا كثيرةً فمن الأولِ الشكُّ فى اللهِ أو فى رسولِهِ أو القرءانِ ونَفْىُ صفةٍ من صفاتِ اللهِ الواجبةِ لهُ إجماعًا ونسبةُ ما يجبُ تنزيهُهُ عنه إجماعًا إليهِ كالجسمِ والقعودِ وتكذيبُ نبىّ أو تنقيصُهُ وجحدُ معلومٍ من الدينِ بالضرورةِ مما لا يَخْفَى عليهِ والتكذيبُ بالقَدَرِ والعزمُ على الكفرِ فى المستقبلِ وعقيدةُ الحلولِ والوَحدةِ المطْلَقَةِ ومن الثانى السجودُ لصنمٍ أو شمسٍ أو نارٍ ورَمْىُ المصحفِ فى القاذورةِ والعياذُ باللهِ تعالى ومن الثالثِ أن يقولَ لمسلمٍ يا كافرُ غير مُتَأَوّلٍ والسخريةُ باسمٍ منْ أسماءِ اللهِ تعالى أو وعدِهِ أو وعيدِهِ مِمَّنْ لا يخفَى عليهِ نسبةُ ذلكَ إليهِ سبحانَهُ والاستخفافُ بالإسلامِ أو بالكعبةِ أو بالقرءانِ أو بحكمِ الشريعةِ أوْ بالأنبياءِ أوِ الملائكةِ.
وَيجبُ على منْ وقعتْ منهُ ردةٌ العودُ فورًا إلى الإسلامِ بالإقلاعِ عنْ سببِهَا والنطقُ بالشهادتينِ فإن لم يرجعْ وَجَبَتِ استتابتُهُ، ويَبطلُ بالردةِ الصومُ والوضوءُ والتيممُ وتنقطعُ عِصمةُ النكاحِ وتحرمُ ذبيحتُهُ ولا يَرِثُ ولا يُورَثُ ولا يُصَلَّى عليهِ ولا يُدْفَن فى مقابرِ المسلمينَ.
 
قال ابنُ جُزَىّ فى القوانينِ الفقهيةِ (إنه لا خلاف فى تكفير من نَفَى الربوبيةَ أو الوَحدانيةَ أو عَبَدَ مع الله غيرَهُ أو كان على دين اليهود أو النصارى أو المجوس أو الصابئين أو قال بالحلولِ أو التناسخِ أو اعتقدَ أنّ الله غيرُ حىّ أو غيرُ عليمٍ أو نفى عنه صفةً من صفاته أى من الصفات الثلاث عشرة التى تقدَّمَ ذِكْرُها (1) أو قال صنع العالمَ غيرُهُ أو قال هو متولّدٌ من شىءٍ أو ادَّعَى مجالسةَ اللهِ حقيقةً أو العروجَ إليه أو قال بقِدَمِ العالمِ أو شكَّ فى ذلك كُلّهِ أو قال بنبوة أحدٍ بعد سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أو جوّز الكذبَ على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو قال بتخصيصِ الرسالةِ بالعربِ (أى ادَّعَى أنه عليه الصلاة والسلام مرسلٌ إلى العربِ فقط) أو ادَّعَى أنه يُوحَى إليه أو يدخلُ الجنةَ قبل الموت حقيقةً أو كفّر جميعَ الصحابة أو جحد شيئًا مما يُعلم من الدين ضرورةً أو سعى إلى الكنائسِ بِزِىّ النصارى أو قال بسقوط العبادة عن بعض الأولياء أو جَحَدَ حرفًا فأكثرَ من القرءان أو زاده أى عنادًا أى مع معرفتِهِ أنه ليس منه أو غَيَّرَهُ أى عنادًا أو قال القرءانُ ليس بمعجز أو قال الثوابُ والعقابُ معنويان أو قال الأئمةُ أفضلُ من الأنبياء). اﻫ
 
(1) الوُجُودُ وَالوَحدَانِيَّةُ وَالقِدَمُ أَي الأَزَلِيَّةُ وَالبَقَاءُ وَقِيَامُهُ بِنَفسِهِ وَالقُدرَةُ وَالإِرَادَةُ وَالعِلمُ وَالسَّمعُ وَالبَصَرُ وَالحَيَاةُ وَالكَلاَمُ وَتَنَزُّهُهُ عَنِ المُشَابَهَةِ لِلحَادِثِ.