إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
أفضل الأعمالِ عندَ اللهِ الإيمانُ باللهِ ورسولِه
ليُعْلَم أنَّ أفضلَ الأعمالِ عندَ اللهِ الإيمانُ باللهِ ورسولِه أي معرفة اللهِ بأنَّه موجودٌ لا يُشبِهُ شَيئًا وأنَّه مُتَّصِفٌ بعلمٍ وإرادةٍ وقُدْرةٍ وسمعٍ وبَصَرٍ وكلامٍ ووجودٍ أزليٍّ غيرِ حادِثٍ ولا يطرأُ عليه التغيُّرُ لأنَّهُ لو كانَ يتغيَّرُ منْ حالٍ إلى حالٍ لم يَكُن إلـهًا لهذا العالم.
واللهُ هو المنفرِدُ بِخَلْقِ الأشياءِ أي إبرازِها من العدَمِ إلى الوجود، الأشياءُ التي لها حجمٌ كالإنسانِ والأرضِ والنبات والأشياءُ التي ليست أجسامًا صلبةً كالنورِ والظلامِ كلُّ ذلك هو خالقُه، كذلك حركاتُ الإنسانِ وسكونُه وتفكيراتُه ونواياهُ القلبيةُ كلُّ ذلك هو يخلُقُه ليس العبد يخلقه.
كلُّ أفعالِ العبادِ وحركاتِهم وسكناتِهم التي يفعلونها بإرادةٍ والتي تحصُلُ منهم منْ غيرِ إرادةٍ كلُّ ذلك منَ الله، العبادُ لا يخلقونَ شيئًا، الله تعالى هو خلقَ القلوبَ وهو الذي يحرِّكُها ويُصَرِّفُها كيفَ يشاء.
الرسولُ عليه الصّلاة والسّلام قال (اللهُمَّ مُصَرِّفَ القلوب صَرِّفْ قلوبَنَا على طاعَتِك) وقال الرَّسولُ عليه الصّلاة والسّلام (إنَّ القلبَ أشدُّ تقَلُّبًا منَ القِدرِ إذا استجمعتْ غَلَيانًا) أي أنَّ تقلُّبات القلوبِ أسرعُ من غلَيانِ الماء في القِدْر، فتقلباتُ القلوبِ التي هي سريعةٌ سرعة عظيمة هو خالقُها فكيف بحركاتِ الرِّجلِ واليدِ واللسانِ كل ذلك بخلقِ الله.
ثم الأمرُ الثاني بعدَ معرفةِ اللهِ كما يجِبُ معرفةُ سيّدِنا محمّدٍ لأنَّه رسولُ الله، وهو صادقٌ في كلِّ ما جاءَ به إلى الناس، إنْ أخبرَ عنِ الماضي بما حصلَ لآدمَ أو مُوسى أو إبراهيم أو نوح أو غيرِهم منَ الأنبياءِ أو تحدَّثَ عن فرعونَ ونحو ذلك، فهو صادق، وكلامُه صحيحٌ لا يحتَمِلُ الكذِب والخطأ.
كذلك إذا أخبرَ عما يحصُلُ في المستقبلِ فهو صادق، ويدخُلُ في ذلك ما يحصُلُ للناسِ في القبرِ فمَا أخبرَ عمّا يحصُلُ في القبرِ فهو صادقٌ، وكذلك ما أخبرَ به أنه يحصُلُ بعد الخروجِ منَ القبورِ بعَوْدِ الرُّوحِ إلى الجسَدِ منَ الأهوال ومن الفرحِ والنعيمِ في تلك الدارِ التي لا نهايةَ لها هو صادق.
فمنْ ماتَ وهو على هذا نَجَا يومَ القيامة منَ الخلودِ في النَّار، ومَن ماتَ على هذا معَ أداءِ فرائضِ اللهِ دخلَ الجنةَ بلا عذابٍ فسبيلُ النجاةِ أنْ يتعلمَ ما فرضَ اللهُ وما حرَّمَ الله، ثم يُؤدِّي ما فرضَ اللهُ ويجتنبُ ما حرَّمَ الله.
علمُ الدينِ هو سبيلُ النجاة، الذي يطلبُه لوجْهِ الله ثوابُه عظيمٌ، فنسألُ الله تعالى أنْ يعلمَنا ما جهلنا وينفعَنا بما علَّمَنا ويزيدَنا علما.