إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

أهمية الدليل العقلي وبيان أن الشرع إنما يَرِدُ بمجوَّزات العقول
اعلم أن النظر العقلي السليم لا يخرج عما جاء به الشرع ولا يتناقض معه، والعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع، إذ أن الشرع لا يأتي إلا بمجوَّزات العقل كما قال الحافظ الفقيه الخطيب البغدادي (الفقيه والمتفقه/ص94) “الشرع إنما يَرِدُ بمجوَّزات العقول وأما بخلاف العقول فلا” اهـ. فسنبين في هذا الباب أن الله منزه عن الجهة والمكان بالأدلة العقلية والبراهين القطعية لدحض مزاعم الوهابية وغيرهم من الفرق المنحرفة عن أهل السنة والجماعة، وإليك بيان ذلك من أقوال العلماء:
قال الشيخ أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري (478هـ) في كتابه “الغُنية في أصول الدين” (ص73-74-75) ما نصه “والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافًا للكرّامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن لله جهة فوق. وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه، تعالى الله عن قولهم. والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديمًا لأنه قديم، أو يكون حادثًا كما أن المحل حادث، وكلاهما كفر. والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا، لكان لا يخلو إما أن يكون مِثْل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر. والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصًا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتًا ما أو لا يصل إليه. فإن قالوا لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة، وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود. فإن قالوا يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضًا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما: قدم العالم، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع. والثاني: اثبات الولد والزوجة” اهـ.
 
وقال الشيخ أبو حامد الغزالي الشافعي الأشعري (505هـ) في كتابه “إحياء علوم الدين” (ج1/ص127) ما نصه “الأصل الرابع: العلم بأنه تعالى ليس بجوهر يتحيَّز، بل يتعالى ويتقدّس عن مناسبة الحيّز، وبُرهانُه أن كل جوهر متحيز فهو مختص بحيِّزه، ولا يخلو من أن يكون ساكنًا فيه أو متحركًا عنه، فلا يخلو عن الحركة أو السكون وهما حادثان، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث” اهـ.
 
وذكر الشيخ أبو المعين النسفي الحنفي (508هـ) في كتابه “تبصرة الأدلة في أصول الدين” (ج1/ص174ـ183) براهين قاطعة وحججًا ساطعة في رد شبه المجسمة السابقين والوهابية المعاصرين الذين يزعمون أنَّ الله اتخذ العرش مستقرًّا ومسكنًا له وكرسيًا يجلس عليه والعياذ بالله من الكفر والخذلان، فقال ما نصه “وللمجسمة شبه ثلاثة:
 
* الأولى قولهم إن الموجودَيْن القائِميْن بالذات لا يخلُوان من أن يكون كل واحد منهما بِجهةٍ من صاحبه. فنقول وبالله التوفيق: الموجودان القائمان بالذات كل واحد منهما في الشاهد يجوز أن يكون فوق صاحبه والآخر تحته، أتجوّزون هذا في الحق تعالى؟ فإن قالوا: نعم تركوا مذهبهم، فإنهم لا يجوزون أن يكون البارىء جل وعلا تحت العالم، وإن قالوا: لا، أبطلوا دليلهم، فإن قالوا: إنما لم نجوز هذا في الحق تعالى لأن جهة تحت جهة ذم ونقيصة، والبارىء جل وعلا منزه عن النقائص وأوصاف الذم. قيل لهم: فإذًا أثبتم التفرقة بين الشاهد والحق عند وجود دليل التفرقة حيث لم تجوزوا أن يكون الحق تعالى بجهة تحت وإن كان ذلك في الشاهد جائزًا لثبوت دليل التفرقة وهو استحالة النقيصة ووصف الذم على الحق وجواز ذلك على الشاهد، فلم قلتم إن دليل التفرقة فيما نحن فيه لم يوجد؟ بل وجد لِمَا مرّ أنه يوجب الحدوث وهو ممتنع على الحق، جائز بل واجب على الشاهد. ثم نقول لهم: كون جهة تحت جهة ذم ونقيصة غير مسلَّم، إذ لا نقيصة في ذلك ولا رفعة في علو المكان، إذ كم من حارس فوق السطح وأمير في البيت، وطليعة على ما ارتفع من الأماكن وسلطان في ما انهبط من الأمكنة. ثم نقول لهم: كل قائم بالذات في الشاهد جوهر وكل جوهر قائم بالذات، أفتستدلون بذلك على أن الحق تعالى جوهر؟!، فإن قالوا: نعم فقد تركوا مذهبهم ووافقوا النصارى؛ وإن قالوا: لا، نقضوا دليلهم. ثم نقول لهم: إنما يجب التعدية من الشاهد إلى الحق إذا تعلق أحد الأمرين بالآخر تعلق العلة بالمعلول كما في العلم والعالِم والحركة والمتحرك، وذلك مما لا يقتصر على مجرد الوجود بل يشترط فيه زيادة شرط وهو أن يستحيل إضافته إلى غيره، ألا يرى أن العالِم كما لا ينفك عن العلم والعلم عن العالِم يستحيل إضافة كونه عالِمًا إلى شىء وراء العلم، فعلم أنه كان عالمًا لأن له علمًا، فوجبت التعدية إلى الحق والجوهرية مع القيام بالذات وإن كانا لا ينفكان في الشاهد، ولكن لما لم يكن جوهرًا لقيامه بالذات بل لكونه أصلاً يتركب منه الجسم، لم يجب تعدية كونه جوهرًا بتعدي كونه قائمًا بالذات، وإذا كان الأمر كذلك فلم قلتم إنهما كانا في الشاهد موجودين قائمين بالذات لأن كل واحد منهما بجهة من صاحبه، أو كان كل واحد منهما بجهة صاحبه لأنهما موجودان قائمان بالذات؟ ثم نقول لهم: لو كانا موجودين قائمين بالذات لأن كل واحد منهما بجهة من صاحبه، لكان الموجود القائم بالذات بالجهة وإن لم يكن معه غيره، ولكان البارىء جلَّ وعلا في الأزل بجهة لأنه كان موجودًا قائمًا بالذات، وهذا محال، إذ الجهة لا تثبت إلا باعتبار غير، ألا يرى أن الجهات كلها محصورة على الست وهي: فوق وتحت وخلف وقدام وعن يمين وعن يسار، وكل جهة منها لن يتصور ثبوتها إلا بمقابلة غيرها، والكل يتركب من الفرد، فإذا كان كل فرد من الجهات لن يتصور إلا بين اثنين، فكان حكم كلية الجهات كذلك لما مَرَّ من حصول المعرفة بالكليات بواسطة الجزئيات، وإذا كان الأمر كذلك كان تعليق الجهة بالوجود والقيام بالذات مع أن كل واحد منهما يثبت باعتبار النفس دون الغير والجهة لا تثبت إلا باعتبار الغير، جهلاً بالحقائق. ثم يقال لهم: أتزعمون أن القائمين بالذات يكون كل واحد منهما بجهة من صاحبه على الإِطلاق، أم بشريطة كون كل واحد منهما محدودًا متناهيًا؟ فإن قالوا: نعم على الإِطلاق، فلا نسلم، وما استدلوا به من الشاهد فهما محدودان متناهيان. وإن قالوا: نقول ذلك بشريطة كون كل واحد منهما محدودًا متناهيًا، فمسلَّم، ولكن لم قلتم إن البارىء محدود متناه! ثم إنا قد أقمنا الدلالة على استحالة كونه محدودًا متناهيًا، والله الموفِق.
 
* وأما الشبهة الثانية التي تعلقوا بها أنه تعالى كان ولا عَالَم ثم خلقه، أخلقه في ذاته أم خارج ذاته؟ وكيفما كان فقد تحققت الجهة. فنقول وبالله التوفيق: إن هذا شَىءٌ بنيتم على ما تضمرون من عقيدتكم الفاسدة أنه تعالى متبعض متجزىء، وإن كنتم تتبرّءُون منه عند قيام الدلالة على بطلان تلك المقالة وتزعمون أنا نعني بالجسم القائم بالذات، وهذه المسألة بنفس المقالة. وما تتمسكون به من الدلالة يهتك عليكم ما أَسْبَلتم من أستاركم ويبدي عن مكنون أسراركم، أما بنفس المقالة فلأن شغل جميع العرش مع عظمته لن يكون إلا بمتبعض متجزىء على ما قررنا، وأما بالدلالة فلأن الداخل والخارج لن يكون إلا ما هو متبعض متجزىء، وقيام الدلالة وانضمام ظاهر إجماعكم على بطلان ذلك يغنينا عن الإِطالة في إفساد هذه الشبهة والله الموفِق. وربما يقلبون هذا الكلام ويقولون بأنه تعالى لما كان موجودًا إما أن يكون داخل العالم وإما أن يكون خارج العالم، وليس بداخل العالَم فكان خارجًا منه، وهذا يوجب كونه بجهة منه. والجواب عن هذا الكلام على نحو ما أجبنا عن الشبهة المتقدمة أن الموصوف بالدخول والخروج هو الجسم المتبعض المتجزىء، فأما ما لا تبعض له ولا تجزؤ فلا يوصف بكونه داخلاً ولا خارجًا، ألا ترى أن العرض القائم بجوهر لا يوصف بكونه داخلاً فيه ولا خارجًا منه؟ فكذا القديم لَمّا لم يكن جسمًا لا يوصف بذلك، فكان هذا الكلام أيضًا مبنيًا على ما يضمرون من عقيدتهم الفاسدة. وكذا الجواب عما يتعلق به بعضهم أنه تعالى لما كان موجودًا إما أن يكون مماسًّا للعالم أو مباينًا عنه، وأيهما كان ففيه إثبات الجهة، أنَّ ما ذكره من وصف الجسم، وقد قامت الدلالة على بطلان كونه جسمًا، ألا ترى أن العَرَض لا يوصف بكونه مماسًّا للجوهر ولا مباينًا له؟ وهذا كله لبيان أن ما يزعمون ليس من لواحق الوجود، بل هو من لواحق التبعض والتجزؤ والتناهي، وهي كلها محال على القديم تعالى، والله الموفِق.
 
* وأما حل الشبهة الثالثة وهي أن الموجودَين لا يعقلان موجودَين إلا وأن يكون أحدهما بجهة صاحبه أو بحيث هو. قلنا: هذا منكم تقسيم للموجودَين، وليس من ضرورة الوجود أحدُ الأمرين، لأنهما إن كانا موجودين لأن أحدهما بجهة صاحبه ينبغي ألا يكون الجوهر وما قام به من العرض موجودَين لأن أحدهما ليس بجهة صاحبه، وإن كانا موجودَين لأن أحدهما بحيث صاحبه، ينبغي ألا يكون الجوهران موجودَين لأن أحدهما ليس بحيث صاحبه، وقد مَرّ ما يوجب بطلان هذا في إبطال قول النصارى: إن الموجود إما أن يكون جوهرًا وإما أن يكون جسمًا وإما أن يكون عرَضًا، والبارىء جل وعلا ليس بجسم ولا عَرَض، فدل أنه جوهر، فإن بطل ذاك بطل هذا، وإن صح هذا صح ذاك، بل كِلا الأمرين باطل لما مَرَّ. والله الموفِّق. وما يزعمون أنه لا عَدَمَ أشد تحققًا من نفي المذكور من الجهات الست وما لا جهة له لا يتصور وجوده. فنقول: ذكر أبو إسحق الإِسفرايني أن السلطان ـ يعني به السلطان محمود بن سُبُكتِكين ـ قَبلَ هذا السؤال من القوم من الكرَّامية وألقاه على ابن فورَك، قال وكتب به ابن فورك إليّ ولم يكتب بماذا أجاب، ثم اشتغل أبو إسحق بالجواب، ولم يأت بما هو انفصال عن هذا السؤال بل أتى بما هو ابتداء دليل في المسئلة من أنه لو كان بجهة لكان محدودًا، وما جاز عليه التحديد جاز عليه الانقسام والتجزؤ، ولأن ما جاز عليه الجهة جاز عليه الوصل والتركيب وهو أن تتصل به الأجسام، وذا باطل بالإِجماع، ولأنه لو جازت عليه الجهة لجازت إحاطة الأجسام به على نحو ما قررنا، وهذا كله ابتداء الدليل وليس بدفع للسؤال. وللكرّامي أن يقول: لو كان ما ذكرتَ من الأدلة يوجب بطلان القول بالجهة لما في إثباتها من إثبات أمارات الحدث، فما ذكرت من الدليل يوجب القول بالجهة لما في الامتناع عن القول به إثبات عدمه، فكما لا يجوز إثبات حدوث ما ثبت قدمه بالدليل لا يجوز نفي ما ثبت وجوده بالدليل. وحلُّ هذا الإِشكال أن يقال: إن النفي عن الجهات كلها يوجب عدم ما هو بجهة من النافي أم عدم ما ليس بجهة منه؟ فإن قال: عدم ما هو بجهة منه، قلنا: نعم، ولكن لم قلتم إن البارىء جل وعلا بجهة من النافي؟ فإن قال: لأنه لو لم يكن بجهة منه لكان معدومًا، فقد عاد إلى ما تقدم من الشبهة، وقد فرغنا بحمد الله عن حلها. وإن قال: النفي عن الجهات يوجب عدم ما ليس بجهة منه، فقد أحال، لأن ذلك لا يوجب عدم النافي وما قام به من الأعراض لما لم يكن بجهة من نفسه، فكذا لا يوجب عدمَ البارىء جل وعلا لأنه ليس بجهة من النافي. فإن قالوا: إذا لم يكن بجهة منه ولا قائمًا به يكون معدومًا، فقد عادوا إلى الشبهة الثالثة، وقد فرغنا من حلها بتوفيق الله تعالى.
 
والأصل في هذا كله أن ثبوت الصانع جل وعلا وقِدمه عُلِمَ بما لا مدفَعَ له من الدلائل ولا مجال للريب فيه، فقلنا بثبوته وقدمه وعرفنا استحالة ثبوت أمارات الحدث في القديم فنفينا ذلك عنه لما في إثباتها من إثبات حدوث القديم أو بطلان دلائل الحدث، وذلك باطل كله على ما قررنا، وفي إثبات المكان والجهة إثبات دلالة الحدث على ما مَرَّ. وليس من ضرورة الوجود إثبات الجهة، لأن نفسي وما قام بها من الأعراض ليست مني بجهة، وهي موجودة، وما كان مني بجهة ليس بقائم بي وهو موجود، وكذا ليس من ضرورة الوجود أن يكون فوقي لوجود ما ليس فوقي، ولا أن يكون تحتي لوجود ما ليس تحتي، وكذا قدامي وخلفي وعن يميني وعن يساري، وإذا ثبت هذا في كل جهة على التعيين ثبت في الجهات كلها، إذ هي متركبة من الأفراد. فإذًا ليس من ضرورة الموجود أن يكون مني بجهة لوجود ما ليس مني بجهة، ولا أن يكون قائمًا بي لوجود ما ليس بقائم بي. وظهر أن قيام الشىء بي وكونه بجهة مني ليسا من لواحق الوجود وضروراته على ما قررنا هذا الكلام في نفي كونه تعالى عرضًا أو جوهرًا أو جسمًا، وخروج الموجود عن هذه المعاني كلها معقول لِمَا بيّنا من الدلائل أن ليس من ضرورة الوجود ثبوت معنى من هذه المعاني كلها لمَا مَرَّ من ثبوت موجود ليس فيه كل معنى من هذه المعاني على التعيين، غير أنه ليس بموهوم لِمَا لم يُحس موجود تعرّى عن هذه المعاني كلها، إذ ما يُشاهد في المحسوسات كلها محدثة وارتفاع دلالة الحدث عن المحدَث محال، وفي الحق تعالى الأمر بخلافه. وليس من ضرورة الارتفاع عن الوهم العدمُ لما ثبت من الدلائل العقلية على الحدوث، وظهور التفرقة بين المعقول والموهوم على ما تقدم ذكره على وجه لا يبقى للمنصف فيه ريبة. ثم إن الله تعالى أثبت في نفس كل عاقل معاني خارجة عن الوهم لخروجها عن درك الحواس، ويعلم وجودها على وجه لم يكن للشك فيه مدخل لثبوت ءاثارها، كالعقل والروح والبصر والسمع والشم والذوق، فإن ثبوت هذه المعاني متحقق والأوهام عن الإِحاطة بمائيتها قاصرة لخروجها عن الحواس المؤدية المدركة صور محسوساتها إلى الفكرة، ليصير ذلك حجة على كل من أنكر الصانع مع ظهور الآيات الدالة عليه لخروجه عن التصور في الوهم، ويعلم أن لا مدخل للوهم في معرفة ثبوت الأشياء الغائبة عن الحواس، ومن أراد الوصول إلى ذلك بالوهم ونفي ما لم يتصور فيه مع ظهور ءايات ثبوته فقد عطل الدليل القائم لانعدام ما ليس يصلح دليلاً، فيصير كمن أنكر وجود البياض في جسم مع معاينته ذلك لعدم استدراك ذلك بالسمع، وجهالةُ مَن هذا فعلُه لا يخفى عن الناس، فكذا هذا.
 
ثم لا فرق بين من أنكر الشىء لخروجه عن الوهم وبين من جعل خروج الشىء عن الوهم دليلاً للعدم، لما فيهما جميعًا [ممن] قصر ثبوت الشىء ووجوده على الوهم، وخروج الموجود عن جميع أمارات الحدث غير موهوم لما لم نعاين موجودًا ليس بمحدث، وإثبات أمارات الحدث في القديم محال، ونفيها عن القديم إخراجُه عن الوهم، وبخروجه عن الوهم يلتحق بالعدم فإذًا لا وجود للقديم، فصارت المجسمة والقائلون بالجهة والجاعلون ما لا يجوز عليه الجهة في حيز العدم قائلين بعدم القديم، فضاهوا الدهرية في نفي الصانع الذي ليس فيه شىء من أمارات الحدث، وساعدوهم بإثبات قِدَمِ من هو متمكن في المكان أو متحيز إلى جهة في إثبات قِدم من تحققت أمارات حدوثه، وبإثبات القِدَم للعالَم نفي الصانع. فإذًا عند الوقوف على هذه الحقائق علم أنهم هم النافون للصانع في الحقيقة دون من أثبته ونفى عنه الجهة والتمكن اللذين هما من أمارات الحدث. والله الموفِّق. وهذا هو الجواب عن قولهم: إن الناس مجبولون على العلم بأنه تعالى في جهة العلو، حتى إنهم لو تُركوا وما هم عليه جُبلوا لاعتقدوا أن صانعهم في جهة العلو. فإنا نقول لهم: إن عنيتم بهذا من لم يرض عقله بالتدبر والتفكر ولم يتمهر في معرفة الحقائق بإدمان النظر والتأمل، فمسلّم أنه بهواه يعتقد أن صانعه بجهة منه، لِمَا أنه لا يعرف أن التحيز بجهةٍ من أمارات الحدث وهي منفية عن القديم، ولما يرى أن ما ليس بقائم به يكون منه بجهة، ثم يرى صفاء الأجرام العلوية وشرف الأجسام النيرة في الحس فظن جهلاً منه أنه تعالى لا بد من كونه بتلك الجهة منه لخروج ما ليس بقائم به ولا بجهة منه عن الوهم، وفضيلة تلك الجهة على سائر الجهات عنده. وإن عنيتم به الحذّاق من العلماء العارفين بالفَرق بين الجائز والممتنع والممكن والمحال فغير مسلّم، إذ هؤلاء يبنون الأمر على الدليل دون الوهم، وقد قام الدليل عندهم على استحالة كونه تعالى في جهة. والله الموفِّق.
 
وتعلقهم بالإِجماع برفع الأيدي إلى السماء عند المناجاة والدعاء باطلٌ، لما ليس في ذلك دليل كونه تعالى في تلك الجهة، هذا كما أنهم أمروا بالتوجه في الصلاة إلى الكعبة وليس هو في الكعبة، وأمروا برمي أبصارهم إلى موضع سجودهم حالة القيام في الصلاة بعد نزول قوله تعالى {قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم خاشعون} [سورة المؤمنون/1.2] بعدما كانوا يصلون شاخصة أبصارهم نحو السماء، وليس هو في الأرض، وكذا حالة السجود أمروا بوضع الوجوه على الأرض، وليس هو تعالى تحت الأرض، فكذا هذا. وكذا المتحري يصلي إلى المشرق واليمن والشام، وليس هو تعالى في هذه الجهات. ثم هو يعبد كما في هذه المواضع ويُحتمل أنه تعالى أمر بالتوجه إلى هذه المواضع المختلفة عند اختلاف الأحوال ليندفع وهْم تحيزه في جهة ويصير ذلك دليلاً لمن عرفه أنه ليس بجهة منا. وقيل إن العرش جُعل قِبلة للقلوب عند الدعاء كما جعلت الكعبة قبلة للأبدان في حالة الصلاة. واستعمال لفظة الإِنزال والتنزيل منصرف إلى الآتي بالقرءان، فأما القرءان فلا يوصف بالانتقال من مكان إلى مكان، والآتي به وهو جبريل عليه السلام كان ينزل من جهة العلو لما أن مقامه كان بتلك الجهة. والله الموفِّق.
 
فأما تعلقهم بتلك الآيات فنقول في ذلك: إنّا ثبَّتنا بالآية المحكمة التي لا تحتمل التأويل، وبالدلائل العقلية التي لا احتمال فيها أن تمكنه في مكان مخصوص أو الأمكنة كلها محال، فلا يجوز إبطال هذه الدلائل بما تلوا من الآيات المحتملة ضروبًا من التأويلات بل يجب حملها على ما يوافق الدلائل المحكمة دفعًا للتناقض عن دلائل الحكيم الخبير جلت أسماؤه، يحقق هذا أن حمل الآيات على ظواهرها والامتناع عن صرفها إلى ما تحتمله من التأويل يوجب تناقضًا فاحشًا في كتاب الله تعالى، وبنفيه استدل الله تعالى على أن القرءان من عنده بقوله تعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} [سورة النساء/82]، وبيانه أنه تعالى قال في ءاية {الرحمن على العرش استوى} [سورة طه/5]، وقال في ءاية أخرى {ءأمنتم من في السمآء} [سورة الملك/19]، وقال في ءاية أخرى {ما يكون من نجوى ثالثة إلا هو رابعهم} [سورة المجادلة/7]، وقال في ءاية أخرى {إن ربّك لبالمرصاد} [سورة الفجر/14]، وقال في ءاية أخرى {ألا إنه بكل شىء محيط} [سورة فصلت/54]، ثم لا وجه إلى القول بأنه على العرش وأنه في السماء وأنه بالمشرق وعند المتناجين وبالمغرب والروم والزنج والهند والعراق، بل في كل بلدة وقرية في حالة واحدة عند المتناجين في هذه الأمكنة في ساعة ولا في ساعات بالتحول والتنقل لاستحالة الحركة عليه، وأنه بالمرصاد وأنه محيط بكل شىء من جوانبه الأربع فيصير كالحقّة لكل شىء، لما في كون شىء واحد في الأمكنة الكثيرة من الامتناع. وليس من يُجري بعض هذه الآيات على الظاهر ويصرف ما وراء ذلك إلى ما عنده من التأويل بأولى من صاحبه الذي يرى في تعيين المكان خلاف رأيه. فإذًا ظهرت صحة ما ادعيناه من تعذر حمل الآيات على الظاهر، ووجوب الصرف إلى ما يصح من التأويلات”. انتهى كلام النسفي.
 
وقال الشيخ أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم المعروف بابن القشيري (514هـ) عند بيان جواز تأويل الاستواء بالقهر ما نصه (إتحاف السادة المتقين للزبيدي ج2/108-109) “ولو أشْعر ما قلنا توهم غلبته لأشْعر قوله {وهو القاهر فوق عباده} [سورة الأنعام/61] بذلك أيضًا حتى يقال كان مقهورًا قبلَ خلقِ العباد، هيهاتَ، إذ لم يكن للعباد وجودٌ قبلَ خلقِه إيّاهم، بل لو كان الأمر على ما توهمَه الجهلةُ مِنْ أنه استواءٌ بالذاتِ لأشعر ذلك بالتغيُّر واعوجاج سابقٍ على وقتِ الاستواء، فإن البارىء تعالى كان موجودًا قبلَ العرش. ومَنْ أنصفَ عَلِمَ أنّ قولَ مَن يقول: العرشُ بالربِّ استوى أمثلُ مِن قول مَن يقول: الربُّ بالعرشِ استوى، فالربُّ إذًا موصوفٌ بالعُلُو وفوقية الرتبةِ والعظمةِ منزهٌ عن الكون في المكان وعن المحاذاة” اهـ. ثم قال “وقد نَبَغَت نابغةٌ من الرَّعاعِ لولا استنزالُهم للعوامِ بما يقربُ مِن أفهامهم ويُتصوّرُ في أوهامِهم لأَجْلَلْتُ هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم. يقولون: نحن نأخذُ بالظاهر ونجري الآياتِ الموهمةَ تشبيهًا والأخبارَ المقتضية حدًّا وعُضوًا على الظاهر ولا يجوز أن نطرقَ التأويلَ إلى شىء مِن ذلك، ويتمسكون بقول الله تعالى {وما يعلم تأويلَه إلا الله} [سورة ءال عمران/7]. وهؤلاء والذي أرواحنا بيده أضَرُّ على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعَبَدةِ الأوثانِ، لأن ضلالاتِ الكفارِ ظاهرةٌ يَتَجَنَّبُها المسلمون، وهؤلاء أَتَوا الدينَ والعوامَّ مِن طريقٍ يَغْتَرُّ به المُسْتَضعفُون، فأَوْحَوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأَحَلُّوا في قلوبهم وصفَ المعبودِ سبحانَه بالأعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاءِ والاستواء بالذات والترددِ في الجهات، فمن أَصْغى إلى ظاهرهم يبادرُ بوهمِه إلى تخيّلِ المحسوسات فاعتقدَ الفضائحَ فسالَ به السيلُ وهو لا يَدْري” اهـ.
 
وقد نص الإمام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (597هـ) على نفي التحيز في المكان والاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق عن الله تعالى، وردّ في كتابه “الباز الأشهب” على ابن الزاغوني المجسم الذي قال “فلما قال تعالى {ثمّ استوى} [سورة الأعراف/54] علمنا اختصاصه بتلك الجهة“، وقال ابن الزاغوني أيضا والعياذ بالله “ولا بد أن يكون لذاته نهايةٌ وغاية يعلمها” قال ابن الجوزي ما نصه “قلتُ: هذا رجلٌ لا يدري ما يقول، لأنه إذا قَدّر غايةً وفصلاً بين الخالق والمخلوق فقد حدده وأقر بأنه جسم وهو يقول في كتابه إنه ليس بجوهر لأن الجوهر ما يتحيز، ثم يثبت له مكانًا يتحيز فيه.
 
قلت: أي ابن الجوزي وهذا كلام جهل من قائله وتشبيه محض فما عرف هذا الشيخ ما يجب للخالق تعالى وما يستحيل عليه، فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والأجسام التي لا بد لها من حيز، والتحت والفوق إنما يكون فيما يُقابَل ويحاذَى، ومن ضرورة المحاذِي أن يكون أكبر من المحاذَى أو أصغر أو مثله، وأن هذا ومثله إنما يكون في الأجسام، وكلّ ما يحاذِي الأجسام يجوز أن يمسها، وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها فهو حادث، إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها المماسةَ والمباينة، فإن أجازوا هذا عليه قالوا بجواز حدوثه، وإن منعوا هذا عليه لم يبق لنا طريق لإثبات حدوث الجواهر، ومتى قدّرنا مستغنيًا عن المحل ومحتاجًا إلى الحيز، ثم قلنا: إما أن يكونا متجاورين أو متباينين كان ذلك محالاً، فإن التجاور والتباينَ من لوازم التّحيز في المتحيّزات. وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم التحيز، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز، لأنه لو كان متحيزًا لم يخل إما أن يكون ساكنًا في حيّزهِ أو متحركًا عنه، ولا يجوز أن يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق، ومن جاورَ أو باين فقد تناهى ذاتًا والتناهي إذا اختص بمقدار استدعى مخصِّصًا، وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخلٍ في العالم وليس بخارجٍ منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات فهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختصُّ بالأجرام.
 
وأما قولهم خلق الأماكن لا في ذاته فثبت انفصاله عنها قلنا: ذاته المقدس لا يَقبل أن يُخلَق فيه شىء ولا أن يحل فيه شىء، وقد حملهم الحِسُّ على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم إنما ذكَر الاستواء على العرش لأنه أقرب الموجودات إليه، وهذا جهل أيضًا لأن قرب المسافة لا يتصور إلا في جسم، ويَعِزُّ علينا كيف يُنْسَبُ هذا القائل إلى مذهبنا. واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [سورة فاطر/10] وبقوله {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [سورة الأنعام/18] وجعلوا ذلك فوقية حسيّة ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر، وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال: فلان فوق فلان، ثم إنه كما قال تعالى {فوق عباده} قال تعالى {وهو معكم}، فمن حملها على العلم حمل خصمُه الاستواء على القهر، وذهبت طائفة إلى أن الله تعالى على عرشه وقد ملأهُ والأشْبَه أنه مماس للعرش والكرسي موضِعُ قدميه. قلت: المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية” انتهى كلام الحافظ ابن الجوزي ولقد أجاد وشفى وكفى.
 
وقال المفسّر فخر الدين الرازي (606هـ) ما نصه “فلو كان علوّ الله تعالى بسبب المكان لكان علو المكان الذي بسببه حصل هذا العلوّ لله تعالى صفة ذاتية، ولكان حصول هذا العلوّ لله تعالى حصولاً بتبعية حصوله في المكان، فكان علو المكان أتم وأكمل من علو ذات الله تعالى، فيكون علو الله ناقصًا وعلوّ غيره كاملا وذلك محال” اهـ.
 
وقال أيضًا عند تفسير ءاية {الرحمنُ على العرشِ استوى} [سورة طه/5] ما نصه “المسألة الثانية: المشبهة تعلقت بهذه الآية في أن معبودهم جالس على العرش وهذا باطل بالعقل والنقل من وجوه:
 
أحدها: أنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولا مكان، ولما خلق الخلق لم يحتجْ إلى مكان بل كان غنيًّا عنه، فهو بالصفة التي لم يزل عليها إلا أن يزعُمَ زاعم أنه لم يزل مع الله عرش. وثانيها: أن الجالس على العرش لا بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الحاصل في يسار العرش، فيكون في نفسه مؤلَّفًا مركَّبًا، وكل ما كان كذلك احتاج إلى المؤلِّف والمركِّب، وذلك محال. وثالثها: أن الجالس على العرش إما أن يكون متمكنًا من الانتقال والحركة أو لا يُمْكِنُه ذلك، فإن كان الأول فقد صار محل الحركة والسكون فيكون مُحْدَثًا لا محالة، وإن كان الثاني كان كالمربوط بل كان كالزَّمِن بل أسوأ حالاً منه، فإن الزَّمِنَ إذا شاء الحركة في رأسه وحدقته أمكنه ذلك وهو غير ممكن على معبودهم. ورابعها: هو أن معبودهم إما أن يحصل في كل مكان أو في مكان دون مكان، فإن حصل في كل مكان لزمهم أن يحصل في مكان النجاسات والقاذورات وذلك لا يقوله عاقل، وإن حصل في مكان دون مكان افتقر إلى مخصص يخصِّصه بذلك المكان فيكون محتاجًا وهو على الله محال” اهـ.
 
وقال سيف الدين الآمدي (631هـ) في كتابه “غاية المرام” ما نصه “فإن قيل ما نشاهده منَ الموجودات ليس إلا أجسامًا وأعراضًا، وإثبات قسم ثالث مما لا نعقِله، وإذا كانت الموجودات منحصرة فيما ذكرناه فلا جائز أن يكون البارىء عرضًا لأن العرض مفتقِر إلى الجسم والبارىء لا يفتقِر إلى شىء، وإلا كان المفتقرُ إليه أشرفَ منه وهو محال، وإذا بطل أن يكون عرضًا بقي أن يكون جسمًا.
 
قلنا: منشأ الخبط ههنا إنما هو من الوهم لإعطاء الحق حكم الشاهد والحكم على غير المحسوس بما حكم به على المحسوس، وهو كاذب غير صادق، فإن الوهم قد يرتمي إلى أنه لا جسم إلا في مكان بناء على الشاهد، وإن شهد العقل بأن العالم لا في مكان لكَون البرهان قد دلَّ على نهايته، بل وقد يشتد وهم بعض الناس بحيث يقضي به على العقل، وذلك كمن ينفِر عن المبيت في بيت فيه ميت لتوهمه أنه يتحرك أو يقوم، وإن كان عقله يقضي بانتفاء ذلك، فإذًا اللبيب من ترك الوهم جانبًا ولم يتخذ غير البرهان والدليل صاحبًا. وإذا عرف أن مستند ذلك ليس إلا مجرد الوهم، فطريق كشف الخيال إنما هو بالنظر في البرهان فإنا قد بيَّنا أنه لا بد من موجودٍ هو مُبدىء الكائنات، وبيَّنا أنه لا جائز أن يكون له مثل من الموجودات شاهدًا ولا غائبًا، ومع تسليم هاتين القاعدتين يتبين أن ما يقضي به الوهم لا حاصل له. ثم لو لزم أن يكون جسمًا كما في الشاهد للزم أن يكون حادثًا كما في الشاهد وهو ممتنع لما سبق، وليس هو عرضًا وإلا لافتقر إلى مقوم يقومه لوجوده، إذ العرض لا معنى له إلا ما وجوده في موضوع، وذلك أيضًا محال” اهـ.
 
وقال أيضًا مبيِّنًا أن الله يستحيل عليه التحيّز في جهة من الجهات ما نصه “لو كان في جهة لم يخل إما أن يكون في كل جهة أو في جهة واحدة، فإن كان في كل جهة فلا جهة لنا إلا والرب فيها، وهو محال، وإن كان في جهة مخصوصة، فإما أن يستحقها لذاته أو لمخصص، لا جائز أن يستحقها لذاته، إذ نسبة سائر الجهات إليه على وتيرة واحدة، فإذًا لا بد من مُخصصٍ، وإذ ذاك فالمحال لازم من وجهين: الأول: أن المخصص إما أن يكون قديمًا أو حادثًا، فإن كان قديمًا لزم منه اجتماع قديمين وهو محال، وإن كان حادثًا استدعى في نفسه مخصصًا ءاخر، وذلك يفضي إلى التسلسل وهو ممتنع. الوجه الثاني: هو أن الاختصاص بالجهة صفة للرب تعالى قائمة بذاته، أي على قول معتقد الجهة في الله، ولو افتقرت إلى مخصص لكانت في نفسها ممكنة، لأن كل ما افتقر في وجوده إلى غيره فهو باعتبار ذاته ممكن، وذلك يوجب كون البارىء ممكنًا بالنسبة إلى بعض جهاته، والواجب بذاته يجب أن يكون واجبًا من جميع جهاته” اهـ.
 
وقال السبكي الشافعي “صانع العالم لا يكون في جهة لأنه لو كان في جهة لكان في مكان ضرورة أنها المكان أو المستلزمة له، ولو كان في مكان لكان متحيزًا ولو كان متحيزًا لكان مفتقِرًا إلى حيّزه ومكانه فلا يكون واجب الوجود وثبت أنه واجب الوجود وهذا خُلْفٌ، وأيضًا فلو كان في جهة فإما في كل الجهات وهو محال وشنيع، وإما في البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار إلى المخصِّص المنافي للوجوب” اهـ أي الاحتياج إلى المخصِّص ينافي كونه واجب الوجود، فثبت استحالة الجهة والمكان على الله تعالى.
 
وقال العلامة البياضي الحنفي (1098هـ) في كتابه “إشارات المرام” ممزوجًا بالشرح ما نصه “الخامس: ما أشار إليه أبو حنيفة (وقال في “الفقه الأبسط”: كان الله تعالى ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخلق كان ولم يكن أين) أي مكان (ولا خلق ولا شىء و{هو خالق كل شىء} [سورة الأنعام/102]) مُوجِد له بعد العدم فلا يكون شىء من المكان والجهة قديمًا وفيه إشارات:
 
الأولى: الاستدلال بأنه تعالى لو كان في مكان وجهة لزم قدمهما، وأن يكون تعالى جسمًا، لأن المكان هو الفراغ الذي يشغله الجسم، والجهة اسم لمنتهى مأخذ الإشارة ومقصد المتحرك فلا يكونان إلا للجسم والجسماني، وكل ذلك مستحيل كما مر بيانه، وإليه أشار بقوله “كان ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء وهو خالق كل شىء“. وبطل ما ظنه ابن تيمية منهم من قدم العرش كما في شرح العضدية. الثانية: الجواب بأن لا يكون البارىء تعالى داخل العالم لامتناع أن يكون الخالق داخلاً في الأشياء المخلوقة، ولا خارجًا عنه بأن يكون في جهة منه لوجوده تعالى قبل خلق المخلوقات وتحقق الأمكنة والجهات، وإليه أشار بقوله {هو خالق كل شىء} [سورة الأنعام/102] وهو خروج عن الموهوم دون المعقول” اهـ.
 
وقال الفقيه المتكلم المؤرخ الفخر ابن المعلم القرشي الدمشقي (725هـ) ما نصه “قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر الأنصاري القرطبي: والذي يقتضي بطلان الجهة والمكان مع ما قررناه من كلام شيخنا وغيره من العلماء وجهان:
 
أحدهما: أن الجهة لو قدّرت لكان فيها نفيُ الكمال، وخالق الخلق مستغنٍ بكمال ذاته عمّا لا يكون به كاملاً. والثاني: أن الجهة إما أن تكون قديمة أو حادثة، فإن كانت قديمة أدّى إلى مُحالين، أحدهما أن يكون مع البارىء في الأزل غيرُه، والقديمان ليس أحدهما بأن يكون مكانًا للثاني بأولى من الآخر، فافتقر إلى مخصِّصٍ يُنقَلُ الكلام إليه، وما يُفْضي إلى المحال محال” اهـ.
 
وقال الحافظ المحدّث اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزَّبيدي الحنفي (1205هـ) عند شرح كلام الغزالي “الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكِّن جسمًا مماسًا للعرش: إما مثله أو أكبر منه أو أصغر، وذلك محال، وما يؤدي إلى المحال فهو محال” ما نصه: “وتحقيقه أنه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانًا لم يخل من أن يكون مثل المكان أو أكبر منه أو أصغر منه، فإن كان مثل المكان فهو إذًا متشكل بأشكال المكان حتى إذا كان المكان مربعًا كان هو مربعًا أو كان مثلَّثا كان هو مثلَّثا وذلك محال، وإن كان أكبر من المكان فبعضه على المكان، ويُشْعِرُ ذلك بأنه متجزىء وله كلٌّ ينطوي على بعض، وكان بحيث ينتسب إليه المكان بأنه ربعه أو خمسه، وإن كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان إلا بتحديد وتتطرق إليه المساحة والتقدير، وكل ما يؤدي إلى جواز التقدير على البارىء تعالى فتجوّزه في حقه كفر من معتقِدِه، وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل إلا بكون، وقبيح وصف البارىء بالكون، ومتى جاز عليه موازاة مكان أو مماسته جاز عليه مباينته، ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن إلا حادثًا، وهل علمنا حدوث العالم إلا بجواز المماسة والمباينة على أجزائه. وقصارى الجهلة قولهم: كيف يتصوّر موجود لا في محل؟ وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل لا يَعْرِفُ غورَها وقعرها إلا كلُّ غوّاص على بحار الحقائق، وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال. والذي يَدْحَضُ شُبَهَهُمْ أن يُقال لهم: قبلَ أن يَخْلُقَ العالم أو المكانَ هل كان موجودًا أم لا؟ فمِن ضرورة العقلِ أن يقول: بلى، فيلزمه لو صحَّ قولُه: لا يُعلمُ موجود إلا في مكان أَحَدُ أمرين: إما أن يقول: المكان والعرش والعالم قديم، وإما أن يقول: الربُّ تعالى محدَثٌ، وهذا مآلُ الجهلة والحشويةِ، ليس القديمُ بالمحدَثِ، والمُحدَثُ بالقديم. ونعوذ بالله من الحَيْرة في الدين” اهـ.
 
وقال ما نصه “فإن قيل: نفيه عن الجهات الست إخبار عن عدمه إذ لا عدَم أشد تحقيقًا من نفي المذكور عن الجهات الست. قلتُ: النفي عن الجهات الست لا يكون ذلك إخبارًا عن عدم ما لو كان لكان في جهة من النافي لا نفي ما يستحيل أن يكون في جهة منه، ألا ترى أن من نفى نفسه عن الجهات الست لا يكون ذلك إخبارًا عن عدمه لأن نفسه ليست بجهة منه. وأما قول المعتزلة: القائمان بالذات يكون [كل] واحد منهما بجهة صاحبه لا محالة، فالجواب عنه: هذا على الإطلاق أم بشريطة أن يكون كل واحد منهما محدودًا متناهيًا؟ الأوّل ممنوع، والثاني مُسَلَّم، ولكن البارىء تعالى يستحيل أن يكون محدودًا متناهيًا.
 
(تنبيه) هذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سُني لا محدِّث ولا فقيه ولا غيره ولا يجىء قط في الشرع على لسان نبي التصريح بلفظ الجهة، فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنًى ولفظًا وكيف لا والحق يقول {ليس كمثله شىء} (سورة الشورى/11) ولو كان في جهة بذلك الاعتبار لكان له أمثال فضلاً عن مثل واحد” اهـ.
 
ومما قاله الشيخ العلامة المحدث عبد الله الهرري في إثبات تنزيه الله عن المكان ما نصه “والدليل على ذلك أنه لو تحيز فإما في الأزل فيلزمُ قدمُ الحيز، أو لا، فيكون محلاًّ للحوادث، وكلا ذلك مستحيل؛ وأيضًا إما أن يساوي الحيز أو ينقص عنه فيكون متناهيًا، أو يزيد عليه فيكون متجزئًا. وإذا لم يكن في مكان لم يكن في جهة لا عُلْوٍ ولا سفل ولا غيرهما، لأنها إما حدود وأطراف للأمكنة أو نفس الأمكنة باعتبار عروض الإضافة إلى شىء. ثم إن بعض المجسمة إذا أُثبت لهم برهان وجوب تنزهه تعالى عن المكان يقول “جهة العلو غير جهة السفل، جهة السفل نقص عليه يجب تنزيهه عنها، وأما جهة العلو فكمال ولا يدل العقل على نفيها عن الله.”
 
فالجواب أن يقال لهم: الجهات كلها لا تقتضي الكمال في حد ذاتها، لأن الشأن ليس في علو المكان بل الشأن في علو القدر، بل قد يختص الشخص من البشر بالمكان العالي ومن هو أعلى منه قدرًا يكون في المكان المنخفض، ويحصل ذلك للسلاطين، فإن حرسهم يكونون في مكان عال وهم أسفل منهم، فلم يكن في علو الجهة وعلو المكان شأن. ثم الأنبياء مستقرهم في الدنيا: الأرض، وفي الآخرة: الجنة، وهم أعلى قدرًا من الملائكة الحافين حول العرش والذين هم في أعلى من مستقر الأنبياء من حيث الجهة، وكون مستقر أولئك حملة العرش فوق مستقر الأنبياء من حيث الجهة لم يكن دليلاً على أنهم أكمل من الأنبياء بل ولا يساوونهم” اهـ.
 
وقال أيضًا ما نصه “تنزيه الله عن المكان وتصحيح وجوده بلا مكانٍ عقلاً والله تعالى غنيٌّ عن العالمين، أي مستغن عن كلّ ما سواه أزلا وأبدًا، فلا يحتاجُ إلى مكان يقومُ به أو شىء يحُلُّ به أو إلى جهة. ويكفي في تنزيه الله عن المكان والحيّز والجهة قوله تعالى {ليس كمثله شىء} [سورة الشورى/11]، فلو كان له مكان لكان له أمثالٌ وأبعادٌ طولٌ وعرضٌ وعمقٌ، ومن كان كذلك كان محدَثًا محتاجًا لمن حدَّه بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق، هذا الدليل من القرءان.
 
أما من الحديث فما رواه البخاري وابن الجارود والبيهقي بالإسناد الصحيح أن رسول الله  قال “كان الله ولم يكن شىء غيره“، ومعناه أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيرُهُ لا ماءٌ ولا هواءٌ ولا أرضٌ ولا سماءٌ ولا كرسيٌّ ولا عرش ولا إنسٌ ولا جنٌّ ولا ملائكةٌ ولا زمانٌ ولا مكانٌ، فهو تعالى موجودٌ قبل المكان بلا مكان، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه. وهذا ما يستفاد من الحديث المذكور.
 
وقال البيهقيُّ في كتابه “الأسماء والصفات” ما نصه “استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي  “أنت الظاهرُ فليس فوقكَ شىءٌ وأنت الباطنُ فليس دونكَ شىءٌ“، وإذا لم يكنْ فوقَهُ شىءٌ ولا دونَهُ شىءٌ لم يكنْ في مكانٍ” اهـ. وهذا الحديثُ فيه الردُّ أيضًا على القائلينَ بالجهةِ في حقهِ تعالى. وَقَدْ قال عليٌّ رضي الله عنهُ :”كانَ الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كانَ”. رواه أبو منصورٍ البغداديُّ.
 
وليس محور الاعتقاد على الوهم بل على ما يقتضيه العقلُ الصحيحُ السليمُ الذي هو شاهدٌ للشرع، وذلك أنَّ المحدودَ محتاجٌ إلى من حدَّه بذلك الحد فلا يكون إلهًا. فكما صحَّ وجودُ الله تعالى بلا مكانٍ وجهةٍ قبل خلقِ الأماكن والجهات فكذلك يصحُّ وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكانٍ وجهةٍ، وهذا لا يكون نفيًا لوجوده تعالى” انتهى كلام الشيخ الهرري.
 
وقال أيضًا في الرد على المشبهة المجسمة الذين يقولون بالعلو الحسي في حق الله ما نصه “والعلو على وجهين: علو مكان، وعلو معنى أي علو قدر، والذي يليق بالله هو علو القدر لا علو المكان، لأنه لا شأن في علوّ المكان إنما الشأن في علو القدر، ألا ترون أن حملة العرش والحافين حوله هم أعلى مكانًا من سائر عباده وليسوا أفضل خلق الله، بل الأنبياء الذين مكانهم تحت أفضل منهم، ولو كان علو المكان يستلزم علو القدر لكان الكتاب الذي وضعه الله فوق العرش وكتب فيه “إن رحمتي سبقت غضبي” مساويًا لله في الدرجة على قول أولئك ـ أي على قول من قال إن الله فوق العرش بذاته ـ، ولكان اللوح المحفوظ على قول بعض العلماء إنه فوق العرش ليس دونه، مساويًا لله في الدرجة بحسب ما يقتضيه زعمهم، فعلى هذا المعنى يحمل تفسير مجاهد لقول الله تعالى {الرحمنُ على العرش استوى} [سورة طه/5] بعلا على العرش كما رواه البخاري” انتهى كلام الهرري، وهو نفيس جدًّا، فتمسك به تسلم من شبهات المجسمة المشبهة.
 
وقال أيضًا ما نصه “ثم إن المتكلمين على لسان أهل السنة قالوا: الموجود ثلاثة أقسام موجود متحيز قائم بنفسه وهو الجواهر والأجسام وهي ما تركب من جوهرين فأكثر كالإنسان والحيوان والشجر والقمر والعرش والنور والريح ونحو ذلك، وموجود غير قائم بنفسه تابع للمتحيز وهو العرض كحركة الجوهر وسكونه وحرارته وبرودته وطعم الحلاوة وطعم المرارة، وموجود ليس بمتحيز ولا تابع لمتحيز وهو الله، والدليل النقلي على ذلك قوله تعالى {ليس كمثله شىء} [سورة الشورى/11] لأنه لو كان كأحد القسمين الأولَين لكان له أمثال، وقد نفت هذه الآية مشابهة الله لغيره بوجه من الوجوه لأن كلمة {شىء} المذكورة في الآية وقعت نكرة في معرض النفي فهي للعموم لا للخصوص كما تدعي مُشَبّهة العصر الوهابية أن معناها أنه لا يشبه شيئًا من الأشياء التي نعرفها ليتوصلوا بهذا إلى إثبات عقيدتهم أن الله جرم متصل بالعرش، فكأنهم قالوا الله لا يشبه بعض الأشياء، ويشبه بعض الأشياء وكفاهم هذا إلحادًا.” اهـ.
 
وقال أيضًا في تنزيهه تعالى عن الجهة ما نصه “والله تعالى متنزه أيضًا عن الجهات والأماكن إذ الجهات والأماكن خَلْقُهُ أحدثها بعد أن لم تكن فلا يوصف تعالى بالفوقية بالحيز والمكان فلو كان فوق العالم بالحيز والمكان لكان محاذيًا له والمحاذي للجسم إمّا أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر منه مساحة، وما يقدّر بالمساحة محتاج لمن خصه بها والمحتاج حادث، ولو كان مُقَدَّرًا بالمِساحة لصحت الألُوهِيَّةُ للشمس ونحوها من الكواكب. وأمّا رفع الأيدي والوجوه إلى السماء عند الدعاء فلأنها قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصّلاة تستقبل بالصّدر، وفي رفع اليد والرأس إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والعظمة” اهـ.
 
وقال أيضًا في بيان الدليل العقلي على تنزيه الله عن الجهة ما نصه “والدليل على ذلك أنه لو تحيز فإما في الأزل فيلزمُ قدمُ الحيز، أوْ لا فيكون محلاًّ للحوادث وكلا ذلك مستحيل، وأيضًا إما أن يساوي الحيز أو ينقص عنه فيكون متناهيًا أو يزيد عليه فيكون متجزئًا، وإذا لم يكن في مكان لم يكن في جهة لا عُلْوٍ ولا سُفل ولا غيرهما لأنها إما حدود وأطراف للأمكنة أو نفس الأمكنة باعتبار عروض الإضافة إلى شىء. ثم إن بعض المجسمة إذا أُثبت لهم برهان وجوب تنزهه تعالى عن المكان يقول: جهة العلو غير جهة السفل، جهة السفل نقص عليه يجب تنزيهه عنها وأما جهة العلو فكمال ولا يدل العقل على نفيها عن الله”.
 
فالجواب أن يقال لهم: الجهات كلها لا تقتضي الكمال في حد ذاتها، لأن الشأن ليس في علو المكان بل الشأن في علو القدر، بل قد يختص الشخص من البشر بالمكان العالي ومن هو أعلى منه قدرًا يكون في المكان المنخفض ويحصل ذلك للسلاطين فإن حرسهم يكونون في مكان عال وهم أسفلَ منهم فلم يكن في علو الجهة وعلو المكان شأن، ثم الأنبياء مستقرهم في الدنيا: الأرض وفي الآخرة: الجنة وهم أعلى قدرًا من الملائكة الحافين حول العرش والذين هم في أعلى من مستقر الأنبياء من حيث الجهة، وكون مستقر أولئك حملة العرش فوق مستقر الأنبياء من حيث الجهة لم يكن دليلاً على أنهم أكمل من الأنبياء بل ولا يساوونهم. ثم الخلاء وهو هذا الفراغ عند أهل الحق يتناهى، ليس وراء العالم فراغ لا نهاية له فهو مستحيل، وكذلك القول بأن وراء العالم أجرامًا متواصلة بلا نهاية مستحيل أيضًا، وإن أهل الحق لا يثبتون هذا ولا يثبتون هذا، بل يقولون: وراء العالم لا يوجد فراغ لا متناه ولا أجرام لا متناهية، انتهت الأجسام والأعراض بانتهاء حد العالم، انتهى الخلاء والملاء. والملاء هو الجرم المتواصل” اهـ.