إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وألِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ و الصالحينَ.
أَجْمَعَ (1) الْفُقَهَاءُ الإِسْلامِيُّونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ، وَعَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ أَوْ شَكَّ أَوْ تَوَقَّفَ كَأَنْ يَقُولَ (أَنَا لا أَقُولُ إِنَّهُ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ كَافِرٍ).
مَنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دِينًا غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي تَكْفِيرِهِ أَيْ فِي تَكْفِيرِ مَنْ لا يَدِينُ بِالإِسْلامِ بَلْ يَدِينُ بِغَيْرِهِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَكْفُرُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ لَعَلَّهُ كَافِرٌ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلامَ لَفْظًا، بَلْ وَلَوِ اعْتَقَدَ هَذَا الشَّخْصُ وَظَنَّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْكَارُ كُفْرِهِ وَالتَّرَدُّدُ فِي كُفْرِهِ كُفْرٌ.
(1) ليعلم أن الإجماع هو اتفاق مجتهدي أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر من العصور على أمر ديني. فهو يَثبُت بالمجتَهدين، و ليسَ بكلّ مَن هو يُقالُ لهُ عَالم، إذ لا اعتبارَ بغَير المجتَهدِ في الإجماع.
المجتَهدونُ في عصرِ التّابعِين إذَا اتّفَقوا على شَىءٍ هذا إجماعٌ شَرعيٌّ كذلكَ في العصرِ الذي يلِيه إن اتفَق مجتهدو ذلكَ العصر على شَىء هذا يُعَدّ إجماعًا كذلك الذينَ بَعدَهم، فغَيرُ المجتهدينَ لا عِبرةَ بهم، والإجماع حجَّة في الشرع الحنيف، قال الفقيه الأصولي المفسّر ابن جزي الغرناطي المالكي في تقريب الوصول صحيفة 87 مانصه (وهو حُجَّة عند جمهور الأمة خلافًا للخوراج والروافض). اهـ
والدليل عليه من القرآن قول الله تعالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) سورة النساء.
قال الجلال المحلّي الشافعي في شرح جمع الجوامع [قال الله تعالى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ)، توعَّد فيها على اتباع غير سبيل المؤمنين فيجب اتباع سبيلهم وهو قولهم أو فعلهم فيكون حجة]. اهـ
ولو لم يكن سبيل المؤمنين حقاً لما توعد الله مخالفه بالعقاب، فمن يخالف أمرا أجمع عليه علماء أمة سيدنا محمد يكون في ضلال شديد، وليعلم أيضا أن خرق الاجماع القطعي ليس بالأمر الهيين، فقد قال أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي الحنفي في كلياته صحيفة 766 ما نصه (وخرق الإجماع القطعي الذي صار من ضروريات الدين كفر). انتهى
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في فتح الباري ما نصه [قال شيخنا (يعني العراقي) في شرح الترمذي (الصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس، ومنهم من عبر بإنكار ما علم وجوبه بالتواتر)]. اهـ
فلينتبه أولئك المغرورون الذين ناقضوا الإجماع القائم في مسألة تكفير المجسم محتجين في ذلك ببعض المقالات المدسوسة على العلماء أو ببعض العبارات التي أساؤوا فهمها عنهم.
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.