إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
إذا وافق يومُ العيد يومَ جمعة لا تسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد عند السّادة الشافعية
قال الشافعي والأصحاب (إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد وحضر أهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد فصلوا العيد لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن أهل البلد، وفي أهل القرى وجهان الصحيح المنصوص للشافعي في الأم والقديم أنها تسقط، والثاني لا تسقط).
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم في باب اجتماع العيدين (أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا إبراهيم بن عقبة عن عمر بن عبد العزيز قال اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى عبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب فقال إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له، قال الشافعي وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاءوا إلى أهليهم ولا يعودون إلى الجمعة والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى، قال الشافعي ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة وإن كان يوم عيد، قال الشافعي وهكذا إن كان يوم الأضحى لا يختلف إذا كان ببلد يجمع فيه الجمعة ويصلى العيد ولا يصلى أهل منى صلاة الأضحى ولا الجمعة لأنها ليست بمصر). اهـ
قال الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري في كتابه الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فقال إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له، وقال الشافعي مثله، وقال لا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر، وقال النعمان في العيدين يجتمعان في يوم واحد يشهدهما جميعا الأول سنة والآخر فريضة، ولا يترك واحد منهما).
قال أبو بكر (أجمع أهل العلم على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرائض الصلوات خمس، وصلاة العيدين ليس من الخمس، وإذا دل الكتاب والسنة والاتفاق على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرائض الصلوات الخمس، وصلاة العيدين ليس من الخمس، وإذا دل الكتاب والسنة والاتفاق على وجوب صلاة الجمعة ودلت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن صلاة العيد تطوع، لم يجز ترك فرض بتطوع). اهـ
قال النووي الشافعي في المجموع (قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الجمعة على أهل البلد وسقوطها عن أهل القرى وبه قال عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وجمهور العلماء، وقال أحمد تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد ولكن يجب الظهر، وقال أبو حنيفة لا تسقط الجمعة عن أهل البلد ولا أهل القرى واحتج الذين أسقطوا الجمعة عن الجميع بحديث زيد بن أرقم وقال (شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلّم عيدين اجتمعا فصلى العيد ثم رخص في الجمعة وقال من شاء أن يصلي فليصل) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد، ولم يضعفه أبو داود، وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أخر أمر الجمعة وَإنّا مُجَمّعُونَ) رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف واحتج لأبي حنيفة بأن الأصل الوجوب، واحتج أصحابنا بحديث عثمان). اهـ
وقال أيضا في روضة الطالبين (إذا وافق يوم العيد يوم جمعة، وحضر أهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد، وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة، فلهم أن ينصرفوا، ويتركوا الجمعة في هذا اليوم على الصحيح المنصوص في القديم والجديد). اهـ
وفي نهاية المحتاج للرملي الشافعي (لو وافق العيد يوم الجمعة فحضر أهل القرية الذين بلغهم النداء لصلاة العيد فلهم الرجوع قبل صلاتها وتسقط عنهم وإن قربوا منها وسمعوا النداء وأمكنهم إدراكها لو عادوا إليها لخبر (من أحب أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحب أن ينصرف فليفعل) رواه أبو داود ولأنهم لو كلفوا بعدم الرجوع أو بالعود إلى الجمعة لشق عليهم والجمعة تسقط بالمشاق….ومقتضى التعليل أنهم لو لم يحضروا كأن صلوا العيد بمكانهم لزمتهم الجمعة وهو كذلك ومحل ما مر ما لم يدخل وقتها قبل انصرافهم فإن دخل عقب سلامهم من العيد لم يكن لهم تركها). اهـ