إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ و آلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ
 
إسدالُ اليدين في الصلاةِ
 
جاء في موطأ الإمام مالك، باب وَضَعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي الصَّلاَةِ (حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي الصَّلاَةِ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالاِسْتِينَاءُ بِالسَّحُورِ).
 
قَالَ الإمام الباجي في المنتقى شرح الموطأ (وَضْعُ الْيَدَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ) (ص (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمخَارِقِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ (إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسُّحُورِ)) ص 280 كتاب المنتقى شرح الموطأ، وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة:
 
(وَضْعُ الْيَدَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ)
(فَصْلٌ) وَأَمَّا وضعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ أُسْنِدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ رَوَاهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ الْتَحَفَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الِاسْتِحْسَانُ وَالثَّانِيَةُ الْمَنْعُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ وَكَرِهَهُ فِي الْفَرِيضَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِمَادِ وَاَلَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ وَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِمَادٌ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ، وَوَجْهُ اسْتِحْسَانِ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ ضَرْبًا مِنْ الْخُشُوعِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا الْوَضْعَ لَمْ يَمْنَعْهُ مَالِكٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْوَضْعَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِمَادِ وَمَنْ حَمَلَ مَنْعَ مَالِكٍ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ اعْتَلَّ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ أَهْلُ الْجَهْلِ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْمُعْتَبَرِ فِي صِحَّتِهَا.
(مَسْأَلَةٌ) وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تُوضَعُ الْيَدَانِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لِذَلِكَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَذْهَبُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّنَّةُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَالْعَجْزِ وَقَوْلُهُ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسُّحُورِ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الصَّوْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
 
يُروى أنّ مَالِكا لَمَّا ضَرَبَهُ بَعْضُ الحُكّامِ تَوَرَّمَتْ يَدُهُ فَصَارَ يُسْدِلُ فَقَلَّدَهُ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ فِي ذَلِكَ، كل َّمن روى وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم روى قبض اليدين، كما رُوِيَ عن سيدنا علي (إنّ من السنةِ وضعَ اليدين في الصلاة تحت السًُّرَّةِ) والحنفيةُ يحتجون بهذا وهناك روايةٌ عن أحمدَ أنّ من السنةِ وضع اليدين تحت السّرَّةِ في الصلاةِ والإمام مالك نفسهُ ذكر القبض َفي الصلاة في كتابه الموطَّأْ وأمّا كونهُ أسدَلَ في صلاته فالسبب أنه قيلَ أنَّ بعضَ الحكامِ ضربهُ فتورَّمَ فحملهُ هذا الورمُ على السَّدْلِ واعتادَ على ذلك، ولم يُرْوَ عن أحدٍ منَ السلفِ أنه كان يسدلُ إلاَّ عن اثنينِ من السلفِ ابن سيرين والحسن البصري لكنهما لم يرويا ذلك عن رسول الله لكن هذا من رأيهما، فإسدالُ اليدين في الصلاةِ حكمهُ أنه جائزٌ ليس فيه كراهة.
السَّدْلُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ مَا فِيهِ كَرَاهَةٌ، لَكِنَّ السُّنَّةَ القَبْضُ، الرَّسُولُ لَم يَسْدُلْ قَطُّ فِي صَلَاتِهِ، لَم يَرْوِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ سَدَلَ بَل كُلُّهُم رَوَوا عَنْهُ القَبْضَ، المَالِكِيَّةُ شُهِرَ عِنْدَهُمُ السَّدْلُ لَكِن مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ المُوَطَّأِ ذَكَرَ القَبْضَ مَا ذَكَرَ السَّدْلَ، السَّدْلُ مَا ثَبَتَ عَنِ الرَّسُولِ وَلَا عَن عَلِيٍّ وَلَا عَن أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، أحمد عندَه في قَبضِ اليَدين في الصّلاةِ رِوايتَان، الشّافعِيّ أخَذ بروايةِ تحتَ الصّدْر وفَوقَ السُّرّة، هو ورَد في الحديث أنّ بعضَ الصّحابة قال إنّ الرّسول كانَ يَضعُ يدَه في الصّلاةِ على السّرّة، وبَعضُهم قال فوقَ السّرّة، وبعضُهم قالَ تحتَ الصّدْر، الشّافعِيّةُ (1) قَالوا تَحتَ الصّدر وفوقَ السّرّة، هَذا أحسَن.
 
(1) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَذْهَبُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّنَّةُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَالْعَجْزِ.
 
والحمد لله رب العالمين، والعزة للإسلام، والله تعالى أعلم وأحكم.