إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
إني أذكّركُم بتَوحيدِ اللهِ تعالى في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه،الله تعالى ذاتُه ليسَ كسَائر الذّوات،ليسَ جِسمًا لطيفًا ولا جِسمًا كثِيفًا،الجِسمُ اللّطيفُ كالهواء والرّوح أمّا الجسمُ الكثيف فهو كالإنسانِ والشّجَر والحجَر والنّجُوم،فمن لم يُنزّه الله تعالى عن التّشبيه بخلقِه فهو غيرُ عارفٍ برَبّه،غيرُ مؤمنٍ بربّه،إنما المؤمنُ هو الذي يؤمنُ بوجُودِ اللهِ مِن غيرِ أن يُشبّهَه بشَىء،فاللهُ تعالى ذاتُه أي حقيقتُه لا يُشبهُ الذّوات،وأما تَوحيدُ الله في صفاتِه فهوَ أن يعتقدَ الإنسانُ أنّ الله تعالى لهُ صفاتٌ أزليةٌ أبديةٌ ليسَت طارئةً عليه،وجودُ الله تعالى ليسَ كوجُودنا،وجودُنا حادثٌ أمّا وجود الله تعالى أزلي.وأمّا توحيدُ الله في الأفعالِ فهو أن يعتقدَ المرءُ أنّ الله تبارك وتعالى يفعَلُ فِعلا بقُدرته الأزلية بتكوينه الأزلي بلا مباشَرة ولا مماسّة لشىء،الله تعالى ما خلق شيئًا مِن خَلقِه بالمماسّة إنما خَلقَه بقُدرتِه الأزليّة ومشيئتِه الأزليّة مِن دون عِلاج أي مِن دونِ حركةٍ ومُباشَرة ،الحاصلُ أنّ أفعالَ الله تعالى ليسَت كأفعالنا.الله تعالى لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ وذلك لأنّ الماسَّ والممسُوسَ لا يكون إلا حادثًا ،لو كان اللهُ تَعالى يمَسُّ أو يُمَس لم يكن إلها.
قال الله تعالى “إنّما أَمْرُه إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ لهُ كُن فيكون” معناهُ الله تبارك وتعالى يَخلُق الشىء بلا حَركةٍ ولا استعمالِ ءالة إنما بمجَرّد مشيئتِه الأزلية يحصلُ الشّىء،بمجرّد إرادته الأزليّة وقدرتِه الأزلية يحصُل الشىء،هذه العوالم كلّها دخلَت في الوجود بمشيئةِ الله وقدرته الأزليَّين،هذا معنى إنما أمرُه إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ له كُن فيَكون،ليس المعنى أنّ الله تعالى يُحدِث قَولا مركّبًا مِن كافٍ ونُون عند تكوينِ كلّ شىءٍ مِن خَلقِه ليس معناهُ أنّه يقولُ كُن كما نحنُ نقُول كُن،نأتي بحرفَين الكافِ والنّون، الذي يتَوهّم هذا في حق الله تعالى فهذا نسَب إلى الله صفةَ الحدوث،جعَل الله حادثًا مخلوقًا،وهؤلاء الذين لا يُنزّهون الله تبارك وتعالى عن مُشابَهة الخلق على زعمِهم كيف يكونُ الأمر ،هل يقولونَ عندَ خَلقِ أيّ شىءٍ يَنطقُ بالكاف والنّون،هذه صفةُ المخلوقاتِ،اللهُ تَعالى لا يجُوز عليه أن يَنطِقَ بمثلِ هذا اللفظِ إنما عبّر اللهُ تعالى في القرءانِ بهذا التّعبير ليقرّبَ لنا ويفَهّمنا أنّهُ يَخلُق الأشياءَ بلا تعَب ومشَقّة كما أنه في حَق المخلوق كلمةُ كن ما فيها تعَب،فالله تعالى قرّب لنا بقولِه هذا إثبات تَكوينِه للمخلوقاتِ حتى نَفهم أنّ الله تبارك وتعالى لا يحتاجُ في خَلقِ شَىء ما إلى حرَكةٍ وسكُون واستعمالِ ءالةٍ فبمجَرّد تعَلُّق إرادتِه الأزليّة ومشيئته وقدرتِه الأزليّة على وَفْق عِلمِه الأزليّ بالمحدَثات توجَد المحدثاتُ،تُخلَق المحدَثات.
هذا التّنزيه لا يغِبْ عن بالِكُم استحضِرُوه على الدّوام واطرُدوا عن خواطرِكُم ما يخالفُ هذا. اهـ