إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
جاء في مجلة الهداية الإسلامية (ج 12 م 4) عن الشيخ العلامة محمد الخضر حسين التونسي الأزهري المالكي ما نصه (إن الجسمية تستدعي المحل والمكان وقد ثبت أن ذلك محال على الله). انتهى
وقال الإمام الشيخ أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن علي الخرشي المالكي أول إمام للجامع الأزهر وأحد كبار العلماء المسلمين (ت 1101 هـ) في كتابه الفرائد السنية ما نصه (يستحيل عليه تعالى أن يكون في جهة للجرم لأن الجهات لا تصلح إلا للجرمية).
وقال (يستحيل عليه تعالى أن يتقيد وجوده بما ذكر من الزمان والمكان لحدوث كل منهما ووجوب القدم له، فلا يتقيد بهما أو بأحدهما إلا من هو حادث مثلهما).
وقال أيضا (الفرقة الناجية المستثناة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي) هم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة).
وعن تكفير اليهود يقول مانصه (ويدخل في المجسمة اليهود لأنهم يعتقدون الجسمية فكفروا بعدم التوحيد ﻷن المُجسم غير مُوحد).
وقَالَ الْفَقِيْهُ الْأُصُولِيُّ الْغَزَالِيُّ فِي كَتَابِهِ إِلْجَامُ الْعَوَامِ مَا نَصُّهُ (الْوَظِيفَةُ الْأُولَى التَّقْدِيسُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الْيَدَ وَالْإِصْبَعَ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللهَ خَمَّرَ طِينَةَ آدَمَ بِيَدِهِ) وَ (إِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا هُوَ الْوَضْعُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ عُضْوٌ مُرَكَّبٌ مِنْ لَحْمٍ وَعَظْمٍ وَعَصَبٍ، وَاللَّحْمُ وَالْعَظْمُ وَالْعَصَبُ جِسْمٌ مَخْصُوصٌ وَصِفَاتٌ مَخْصُوصَةٌ، أَعْنِي بِالْجِسْمِ عِبَارَةً عَنْ مِقْدَارٍ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ أَنْ يُوجَدَ بِحَيْثُ هُوَ إِلَّا بِأَنْ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَقَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا اللَّفْظُ أَعْنِي الْيَدَ لِمَعْنًى آخَرَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِجِسْمٍ أَصْلًا، كَمَا يُقَالُ: الْبَلْدَةُ فِي يَدِ الْأَمِيرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ مَقْطُوعَ الْيَدِ مَثَلًا، فَعَلَى الْعَامِّيِّ وَغَيْرِ الْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَقَّقَ قَطْعًا وَيَقِينًا أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ جِسْمًا هُوَ عُضْوٌ مُرَكَّبٌ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَهُوَ عَنْهُ مُقَدَّسٌ، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَعْضَاءٍ فَهُوَ عَابِدُ صَنَمٍ فَإِنَّ كُلَّ جِسْمٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَعِبَادَةُ الْمَخْلُوقِ كُفْرٌ، وَعِبَادَةُ الصَّنَمِ كَانَتْ كُفْرًا لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَكَانَ مَخْلُوقًا لِأَنَّهُ جِسْمٌ، فَمَنْ عَبَدَ جِسْمًا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْهُمْ وَالْخَلْفِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجِسْمُ كَثِيفًا كَالْجِبَالِ الصُّمِّ الصِّلَابِ، أَوْ لَطِيفًا كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُظْلِمًا كَالْأَرْضِ أَوْ مُشْرِقًا كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، أَوْ مُشِفًّا لَا لَوْنَ لَهُ كَالْهَوَاءِ، أَوْ عَظِيمًا كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّمَاءِ، أَوْ صَغِيرًا كَالذَّرَّةِ وَالْهَبَاءِ أَوْ جَمَادًا كَالْحِجَارَةِ، أَوْ حَيَوَانًا كَالْإِنْسَانِ). اهـ
وقال الشيخ الحليميُّ الشافعيُّ (ت 403 هـ) في المنهاج (شعب الإيمان 1 – 184) ما نصه (وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه (تعالى) ليس بجوهر ولا عرَض، فلأن قومًا زاغوا عن الحق فوصفوا البارئ جل ثناؤه ببعض صفات المُحدَثين (أي المخلوقين)، فمنهم من قال إنه جوهر، ومنهم من قال: إنه جسم (والجسم ما تألف من جوهرين فأكثر)، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملِك على سريره، وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل (نفي الصفات الواجبة لله المجمع عليها عند أهل السنة) والتشريك، فإذا أثبت المُثبت أنه (سبحانه) ليس كمثله شىء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عَرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرًا أو عرَضًا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهرًا ولا عرَضًا لم يَجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث إنها جواهر كالتآلف والتجسّم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء). اهـ