إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمد لله ربِّ العالمين الذي قال (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وصلى الله على سيدنا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها وعلى ءاله وصحبه وسلم، أما بعد، فإن صيام رمضان عبادة عظيمة من أفضل الطاعات وأجلّ القربات وَأَحَدِ أهم أمور الإسلام، وقد اتفق علماء المذاهب الأربعة وغيرهم على أن الأصل في تحديد أول رمضان هو التالي:
يُراقَب الهلال بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان فإن رُئي الهلالُ كان اليومُ التالي أولَ رمضان وإن لم يُرَ الهلالُ يكون اليومُ التالي الثلاثين من شعبان والذي بعده هو أولَ أيام رمضان، وعلى هذا درج المسلمون في كل بلاد الدنيا من أيام الصحابة الكرام وبذلك أفتى الفقهاء ونصوا أن العمدة على هذا وأنه لا التفات إلى أقوال أهل الحساب والفلكيين ولا عبرة بكلامهم لتحديد ابتداء الصيام أو انتهائه، فقد قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ) والأهلة جمع هلال وهو أول حال القمر حين يراه الناس أول ليلة من الشهر (قل هي مواقيت للناس) جمع ميقات والمعنى ليعلم الناس أوقات حجهم وصومهم وإفطارهم وعدة نسائهم وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالأهلة لذا قال الفقهاء يجب وجوبا كفائيا ترائي الهلال لكل شهر.
وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما) وفي روايـة (فصُومُوا لرؤيته وأَفْطِرُوا لرؤيته فإنْ أُغْمِيَ عليكم فاقدُرُوا لهُ ثلاثين). اهـ
وروى الإمام مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ) قال أبو الوليد سليمان بن خلف القرطبي الباجي الأندلسي رحمه الله (ولَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ (وقبله الشافعيّ) يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ (الشاهد) الْوَاحِدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْحُقُوقِ.
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ) يُرِيدُ مَنَعَكُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ سَحَابٌ أَوْ غَيْرُهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ غَمَمْتُ الشَّيْءَ إذَا سَتَرْتُهُ، فَاقْدُرُوا لَهُ يُرِيدُ قَدِّرُوا لِلشَّهْرِ، وَتَقْدِيرُهُ إتْمَامُ الشَّهْرِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ثَلَاثِينَ لِأَنَّ الشَّهْرَ إنَّمَا يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بِالرُّؤْيَةِ فَأَمَّا بِالتَّقْدِيرِ فَلَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثِينَ).
ثم قال رحمه الله (إن من خالف في ذلك فالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وإن من يَصُومُ وَيُفْطِرُ عَلَى الْحِسَابِ فإنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَعُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ فإنه لَا يُعْتَدُّ بِمَا صَامَ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَيَرْجِعُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَإكَمَالِ الْعَدَدِ، فَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ).
 
وفي حاشية ابن عابدين في المذهب الحنفي (لا عبرة بقول المؤقتين أي في وجوب الصوم على الناس بل في المعراج لا يُعتبر قولهم بالإجماع).
وفي الدر الثمين والمورد المعين في المذهب المالكي (ولو كان إمام يرى الحساب فأثبت به الهلال لم يتبع لإجماع السلف على خلافه).
وفي فتاوى الرملي في المذهب الشافعي (إن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقوله نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا).
وفي كتاب المغني في المذهب الحنبلي (إن بنى على قول المنجمين وأهل الحساب فوافق الصواب لم يصح صومه وإن كثرت إصابتهم لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه ولا العمل به).
 
فنصيحتنا لكل مسلم أن يتمسك بما قاله فقهاء المذاهب الأربعة الذين أجمعت الأمة على علو شأنهم وأن لا يلتفت إلى المخالفين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله على نبيه محمد، فيثبتون رمضان والعيد على الحساب والفلك فقد روى رواه أحمد والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ على أُمَّتِي الأَئِمَّةُ المُضِلُّونَ) فطوبى لمن تمسك بجماعة المسلمين وجمهورهم وكلام نبيهم والندامة يوم القيامة لمن اتبع غير سبيل المؤمنين وشذَّ عن منهاجهم.
 
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ءامين وسبحان الله وبحمده.