إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

قال الشاعر
 
احذر يا عبد من الردة *** إن لها أقساما عدة
فعلٌ كسجود للقمر *** وكرَمي المصحف في القذر
وقولٌ كمسبة ربي*** أو كمسبة ملك ونبي
يرتد كذا من يعتقد *** أن الرحمن له ولد
فالكافر فوراً يتشهد *** كي يرجع في دين محمّد
وليحفظ قلبه ولسانه *** وجوارحه مما شانه
 
الرِّدةُ هيَ قَطعُ الإسلامِ وَتَحصُلُ تارَةً بِالقَولِ وتَارَةً بِالفِعلِ وَتارَةً بالاعتِقادِ، أَي أَنَّ الردَّةَ تَنقَسِمُ إِلى ثَلاثَةِ أَقسامٍ، اعتِقاداتٌ بِالقَلبِ، وَأَفعَالٌ بِالجوارِحِ، وَأَقوالٌ بِاللِّسانِ.
 
عُلماءُ الـمذاهِبِ الأَربَعَة قَسَّموا الردَّةَ إِلى هذا التَّقسيمِ، وَهذِهِ الأَقسَامُ الثَلاثَةُ ذَكَرَهَا العُلماءُ في مُؤَلَّفَاتِهِم كَالنوَوِيُّ الشافِعِيُّ في رَوضَةُ الطَالِبين وَابنُ عَابدِينَ الحنَفِي في حاشِيَتِهِ الـمسمَاةُ رَدُّ الـمحتَارِ عَلى الدرِّ الـمختَارِ وَالشيخُ مُحَمَّدُ عِلَّيش الـمالِكِي الأَزهَرِي في كِتَابِ مَنحِ الجليلِ وَالشيخ أَبو مَنصور بن يونُس بنِ إِدريس البُهوتِي الحنبَلِي في شَرحِ مُنتَهى الإرَادَات وَكذلِكَ الـمفتي الشيخ عَبد الباسِط الفَاخُورِي مُفتي بَيروت الأَسبَق في كِتَابِهِ الكِفَايَة لِذَوِي العِنَايَة وَابنِ الوَردِي في الحَاوِي، وَقَد استَدَلوا عَلَى هذا التَّقسيمِ مِنَ القُرآنِ الكَريم، وَكُلُّ قِسمٍ مِن هذِهِ الأَقسَام الثَّلاثَة يُخرِجُ صاحِبَهُ مِنَ الإسلامِ مِن غَيرِ اشتِراطِ أَن يَجتَمِعَ مَعَهُ قِسمٌ ءاخَر.
 
فَيَنبَغي الحذَر مِن ذلِكَ لأَنَّ مَن مَاتَ عَلى الكُفرِ فَقَد هَلَكَ هَلاكًا عَظيمًا وَمَصيرُهُ الخلود الأَبَدِيّ في نَارِ جَهَنَّم أَمَّا مَن تَدَارَكَ نَفسَهُ بِالدخولِ في الإسلامِ فَقَد نَجَا مِنَ الخلودِ الأَبَدِيِّ في جَهَنَّم، وَالدخولُ في الإسلامِ يَكونُ بِالشهَادَتَينِ أَو مَا في مَعنَاهُمَا وَيَحصُلُ ذلِكَ بِقَولِ أَشهَدُ أَن لا إلهَ إِلا اللهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ.
 
حفظنا الله واياكم من الردة وثبتنا على دينه.