إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

‏‎قَوْل اللَّهِ تَعَالَى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) سورة المائدة ءاية 64.
 
‏‎قال النسفي في تفسيره (رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) لَمَّا كَذَّبُوا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَفَّ اللَّهُ مَا بَسَطَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّعَةِ، وَكَانُوا مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ مَالًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فَنُحَاصُ (بن عازوراء وهو من اليهود) يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وَرَضِيَ بِقَوْلِهِ الْآخَرُونَ، فَأُشْرِكُوا فِيهِ.
وَغَلُّ الْيَدِ وَبَسْطُهَا مَجَازٌ عَنِ الْبُخْلِ وَالْجُودِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) [الْإِسْرَاءُ 29].
وَلَا يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ إِثْبَاتَ يَدٍ، وَلَا غَلٍّ، وَلَا بَسْطٍ، حَتَّى إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَلكٍ يُعْطِي وَيَمْنَعُ بِالْإِشَارَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالِ الْيَدِ، وَلَوْ أَعْطَى الْأَقْطَعُ إِلَى الْمَنْكِبِ عَطَاءً جَزْلًا لَقَالُوا مَا أَبْسَطَ يَدَهُ بِالنَّوَالِ! وَقَدِ اسْتُعْمِلَ حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْيَدُ، يُقَالُ: بَسَطَ الْبَأْسُ كَفَّيْهِ فِي صَدْرِي، فَجَعَلَ لِلْبَأْسِ [الَّذِي هُوَ مِنَ الْمَعَانِي] كَفَّانِ، وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ يَتَحَيَّرْ فِي تَأْوِيلِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَة). اهـ
‏‎
 
‏واليد في كلام العرب تكون للجارحة كقوله تعالى (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ) وهذا محال على الله تعالى، وتكون للنعمة، تقول العرب كم يد لي عند فلان أي كم من نعمة لي قد أسديتها له.
 
وتكون للقوة، قال الله عز وجل (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) أي ذا القوة.
 
وليس المقصودُ باليد هنا الجارحةَ التي لنا فإن الله تعالى منزه عن ذلك، فاليدُ تأتي بمعنى القدرة، والقدرةُ هي القوةُ.
 
(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي قادرون، وليس كما زعم بعض الجهال أن الكون في اتِّساعٍ دائم! هذا كذبٌ مردود.
 
وتكون للملك والقدرة، قال الله تعالى (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ).
 
وتكون بمعنى الصلة، قال الله تعالى (مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) أي مما عملنا نحن، وقال (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) أي الذي له عقدة النكاح.
 
وتكون بمعنى التأييد والنصرة، ومنه الحديث، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي، وَيَدُ اللهِ مَعَ الْقَاسِمِ حِينَ يَقْسِمُ)، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ.
 
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ (فَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَعَهُ بِالتَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ وَكَذَلِكَ هُوَ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِالتَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ).
 
وتكون لإضافة الفعل إلى المخبر عنه تشريفا له وتكريما، قال الله تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) فلا يجوز أن يحمل على الجارحة.
 
‎فمن حمل إضافة الوجه أو اليد أو العين الوارد في القرءان أو الحديث في حق الله تعالى على الحقيقة أي على هذه الأعضاء والجوارح المؤلَّفة والمركَّبة كما فعلت المجسمة فقد كذَّب الله تعالى.
‏‎
الوجه والعين واليد إذا أضيفت إلى الله فلها معنى يليق بالله تعالى ليس بجسم ولا حجم ولا جارحة ولا هيئة ولا صورة ولا كيفية ولا كمية.
 
‏‎والحمد لله الذي وفق أهل السنة لمعرفة العقيدة الصحيحة.