إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
اعتقاد الإمام العالم أبي الحسن الأشعري هو اعتقاد أهل السنة والجماعة
الله أنعم على المؤمنين واختار لهم ملة إبراهيم وسماها إسلاما، واصطفى من النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم وجعله لهم ختاما، وأكمل دينه وأتمه إتماما، ونصب له من العلماء من يدافع عنه توفيقا منه وإلهاما، ومنح أهل التحقيق في توحيده بصائر وأحلاما، فكان أبو الحسن الأشعري رحمه الله من الذين ألهمهم الله نصرة السنة بالبراهين العقلية والأدلة النقلية، والأشعرية هم العدل الوسط بين المعتزلة والحشوية، لم يبتعدوا عن النقل كما فعل المعتزلة، ولا عن العقل كعادة الحشوية، بل ورثوا الخير من تقدمهم، وهجروا باطل كل فرقة، وحافظوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وملأوا الأرض علما.
وفي ترتيب المدارك وتقريب المسالك لأبي الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي (المتوفى 544 هـ) أثناء ترجمته للأشعري (صنّف أبو الحسن الأشعري لأهل السنة التصانيف وأقام الحجج على إثبات السنة وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته وقدم كلامه وقدرته وأمور السمع الواردة من الصراط والميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر التي نفت المعتزلة وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية ودفع شبه المبتدعة ومن بعدهم من الملحدة والرافضة وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة وناظر المعتزلة وكان يقصدهم بنفسه للمناظرة، وكُلِّم في ذلك وقيل له كيف تخالط أهل البدع وقد أُمِرت بهجرهم؟ وكان أمرهم في ذلك الوقت شائعا وكلمتهم غالبة فقال هم أهل الرياسة وفيهم الوالي والقاضي فهم لرياستهم لا ينزلون إليّ فإن لم نسر إليهم فكيف يظهر الحق ويُعلم أن لأهله ناصرا بالحجة؟
وكان أكثر مناظرته مع الجبائي المعتزلي وله في الظهور عليه مجالس كثيرة وله مجلس كبير مشهود في مناظرة الأمير بالبصرة ابن وفاء (1) في مسألة الإمامة ظهر فيه علمه وتفننه، فلما كثرت تواليفه وانتُفع بقوله وظهر لأهل الحديث والفقه ذبُّه عن السنن والدين تعلَّقَ بكتبه أهل السنة وأخذوا عنه ودرسوا عليه وتفقهوا في طريقه وكثر طلبته وأتباعه لتعلُّم تلك الطرق في الذب عن السنة وبسط الحجج والأدلة في نصر الملة فسُمُّوا باسمه وتلاهم أتباعهم وطلبتهم فعُرفوا بذلك، وإنما كانوا يُعرَفون قبل ذلك بالمثبِتة سمة عرفتهم بها المعتزلة إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه، فبهذه السمة أولا كان يعرف أئمة الذب عن السنة من أهل الحديث، كالمحاسبي، وابن كلاب، وعبد العزيز بن عبد الملك المكي، والكرابيسي إلى أن جاء أبو الحسن وأشهرَ نفسه فنسبَ طلبتَه والمتفقهة عليه في علمه بنسبه كما نسب أصحاب الشافعي إلى نسبه وأصحاب مالك وأبي حنيفة وغيرهم من الأئمة إلى أسماء أئمتهم الذين درسوا كتبهم وتفقهوا بطرقهم في الشريعة وهم لم يحدثوا فيها ما ليس منها فكذلك أبو الحسن فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بِحُججه يحتجُّون وعلى منهاجه يذهَبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم وأثنوا على مذهبه وطريقه).
قال الإمام أبو بكر البيهقي (هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر اسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى ابن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري اليماني البصري، ولد سنة 260 للهجرة، وقيل سنة سبعين، وتوفي سنة 324 ببغداد جده أبو موسى ممن يؤخذ عنهم الفتيا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحسن الناس صوتا في قراءة القرءان، وينسب إلى الجُماهر بن الأشعر، والأشعر من أولاد سبأ الذين كانوا باليمن، هاجر أبو موسى الأشعري مع أخويه في بضع وخمسين من قومه إلى أرض الحبشة وأقاموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حتى قدموا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، رزق من الأولاد والأحفاد مع الدراية والرواية والرعاية ما يكثر نشره، وأساميهم في التواريخ مثبتة، إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه).
وقال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (واعلم أن أبا الحسن الأشعري لم ينشء مذهبًا، إنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقًا وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في ذلك، السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًا). اهـ.
قال السبكي في الطبقات قال المآيرقي المالكي (ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة إنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانا وبسطا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما ألفه في نصرته). اهـ
وقد أفرد الإمام حافظ الشام ابن عساكر الدمشقي مؤلفا للدفاع عن أبي الحسن الأشعري سماه تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري.
أما الشيخ محمد العربي التبان شيخ المالكية في الحرم المكي فيقول (فحول المحدثين من بعد أبي الحسن إلى عصرنا هذا أشاعرة وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك). اهـ