إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وألِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ و الصالحينَ.
يَجِبُ قَرْنُ الإِيـمَانِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَذَلِكَ أَقَلُّ شَىْءٍ يَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِيِّ فِي النَّارِ. اعْتِقَادُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا يَكْفِي مَا لَمْ يُقْرَنْ بِاعْتِقَادِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ ضَرُورِيٌّ لِلنَّجَاةِ مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِيِّ فِي النَّارِ.
وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ (فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا شَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَا يَشْمَلُ الشَّهَادَةَ الأُخْرَى لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّهَادَةِ الأُولَى صَارَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَلْحُوظًا فِيهِ الشَّهَادَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمَعْنِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِدُونِ الشَّهَادَةِ الأُخْرَى يَكْفِي لِلنَّجَاةِ مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِيِّ فِي النَّارِ بَلْ لا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ [سُورَةَ الْفَتْح 13] فَتُحْمَلُ هَذِهِ الأَحَادِيثُ عَلَى مَا يُوَافِقُ هَذِهِ الآيَةَ، فَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَأْتِي مُنَاقِضًا لِلْقُرْءَانِ، وَمَنْ تَوَهَّمَ خِلافَ ذَلِكَ فَهُوَ لِقُصُورِ فَهْمِهِ وَشِدَّةِ جَهْلِهِ.