إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
التحذير من قول إنَّ النبي صلّى على مُنَافِقٍ مع عِلْمه بنفاقه
إعلم رحِمكَ الله أنَّ مِمَّا يجبُ التّحذيرُ مِنه ما يُوجَدُ في بَعضِ المؤلفات مِن قَولهِم إنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم صَلّى على عبدِ اللهِ بنِ أُبيِّ بنِ سَلُول وهوَ يَعلَمُ أنّه مُنافِقٌ كَافِرٌ، وقائلُ هذا الكلام كأنّه يقولُ إنّ الرسولَ دعا بالمغفِرةِ لمن أَخبَرَ اللهُ أنّه لا يَغفِرُ لهُ وهذا الكلامُ صَريح في تكذيب الشريعة والعياذُ بالله.
والصّوابُ في هذِه المسئلَةِ أنّ الرسولَ صَلى الله عليه وسلم اعتقد أنّهُ ذَهبَ عنه الكُفْرَ الذي كانَ فيه وصَارَ مُسلمًا حَقيقةً فصَلّى عَليه ثمّ أعلَمَه اللهُ بحَالِه وأنزَل (ولا تُصَلِّ على أحَدٍ مِنهُم مَاتَ أبدًا ولا تَقُم على قَبْرِه) التوبة 84.
وَهُنا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّة أَنَّ الرَّسُول لا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَيِّت كافِر وَهُوَ يَعْلمهُ أَنَّهُ ماتَ كافِرًا، مُسْتَحِيل عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يَفْعَلَ ذلِك، فِي بَعْضِ الكُتُب مَذْكُور أَنَّ الرَّسُول صَلَّى عَلَى الـمنافِق عَبْدِ الله بنِ أُبَيْ بنِ سَلُول وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ مُنافِقًا، هٰذا كُفُر، مَذْكُورَة فِي بَعْض الكُتُب الـمنسوبَة لِبَعْضِ عُلماءِ أَهْلِ السُّنة والجماعَة.
ليسَ كُلّ ما فِي الكُتُب يَكُونُ صَحِيحًا، لا يَجُوزُ للشَّخْص أَنْ يَعْتَمِدَ فِي تَحْصِيلِ عِلـم الدّين عَلَى الـمطالَعَةِ فِي الكُتُب لِنَفْسِهِ دُونَ مُعَلم ثِقَة يَتَلَقَّى مِنْهُ مِنْ طَرِيقِ الـمشافَهَة، الطّريقُ الصَّحيح والسَّيْرُ الصحيح هو التَّلَقِّي بِالـمشافَهَة مِنْ أَهْلِ العِلم الثِّقات الذينَ تَلَقَّوْا بِالسَّماع مُشافَهَةً مِنَ الذينَ سَبَقُوهُم، وَهكذا بِسِلْسِلَة تَتَصِل بأَصْحابِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
هُوَ حَقِيقَة ما حَصَلَ أَنَّ الرّسُول رَأَى مِنْ عَبْدِ الله بنِ أُبَيْ بنِ سَلُول أَشْياء كانَت السبَب فِي أَنْ ظَنَّ الرّسُول أَنَّهُ أَسْلم وأَنَّ النِّفاقَ زالَ عَنْهُ، طَلَبَ رِداءً مِنَ الرَّسُولِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ كَفَنًا لَهُ، ظَهَرَت مِنْهُ عَلامات فَظَنَّ الرّسُول مِنْ هذه الأُمُور أَنَّ النِّفاقَ زالَ عَنْهُ، فَلما ماتَ صَلّى عَلَيْهِ، بَعْدَ ذلِكَ نَزَلَت عَلَيْهِ الآيَة (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)) سورة التوبة، فَعَرَفَ الرّسُولُ أَنَّهُ كانَ ما زالَ عَلَى النِّفاق، قَبْلَ ذلِكَ ما كانَ يَعْرِف، وَإِلّا كَيْفَ يُصَلّي عَلَيْهِ وَيُقالُ فِي صلاة الجنازة اللهمَّ اغْفِر لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، لا يَجوز عَلَى الرّسُول أَنْ يَقُول عَنْ شَخْص كافِر، ماتَ عَلَى الكُفُر اللهمَّ اغْفِر لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ.
ثم يُقال لهم أيضًا إذا كان أبو حنيفةَ قال (مَن صَلّى مُحْدِثًا (أي على غير طهارة) مُتَعمِّدًا كفَر) فكيفَ بمن صَلى على الكافِرِ معَ عِلمِه بكُفرِه، أبو حنيفة اعتبَرَهُ استَخَفَّ بِالصلاةِ، أمَّا لو اسَتحَلَّ الصلاةَ بِلا وضوء كفر عند الجميع، فإيّاكُم وشَوَاذَّ الكَلام.