إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

التحذير من قول الله في كلّ مكان
 
اعلم أن المسلمين اتفقوا على أن الله تعالى لا يحلُّ في مكان ولا يحويه مكان ولا يسكن السماء ولا يسكن العرش لأن الله تعالى موجود قبل العرش وقبل السماء وقبل المكان ويستحيل على الله التغيّر من حال إلى حال ومن صفة إلى صفة أخرى، فهو تبارك وتعالى كان موجودًا في الأزل بلا مكان، وبعد أن خلق المكان لا يزال موجودًا بلا مكان، الله تعالى غني عن العالمين أي مستغن عن كل ماسواه أزلًا وأبدًا فلا يحتاج إلى مكان يقوم به أو شئ يحل به أو إلى جهة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان الله ولم يكن شئ غيره) رواه البخاري والحاكم وابن الجارود.
 
أتى أناسٌ من أهل اليمنِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين فأنبئنا عن بَدء هذا الأمر ما كان، فقال (كان اللهُ ولم يكن شىء غيرُه، وكان عرشُهُ على الماء وكتب في الذكر كلَّ شىء، ثم خلقَ السموات والأرض) معناه الله تعالى كان في الأزل أي فيما لا ابتداء له وحده ولم يكن مكان ولا ظلام ولا نور ولا عرش ولا كرسي ولا فراغ كان موجودا في الأزل بلا مكان ولا جهة ولم يكن العالم كله فلا يقال إنه كان في داخل العالم ولا في خارجه ولا يقال كان متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه والله لا يتغير بعد أن خلق العالم ما زال موجودا بلا جهة ولامكان.
 
قال الإمام أبو منصور البغدادي (توفّي 429 هـ) في الفرق بين الفرق صفحة 333 (وأجمعوا (أهل السنة) على أن الله لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان).
 
وقد قال الامام علي رضي الله عنه (كان الله ولا مكان، وهو الان على ما عليه كان) أي بلا مكان، وقال (إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانا لذاته).
 
فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان وجهة قبل الأماكن والجهات فكذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن بلا جهة ولا مكان وهذا لا يكون نفيًا لوجوده تعالى، وحكم من يقول إن الله تعالى في كل مكان أو في جميع الأماكن أنه ارتد عن الإسلام إذا كان يفهم من هذه العبارة أن الله تعالى بذاته منبث أو حال في الأماكن أما إذا كان يفهم من هذه العبارة أنه تعالى مسيطر على كل شئ وعالم بكل شئ فلا يحكم عليه بالردة، لكن يجب النهي عنهما في كل حال.