إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ

 

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [سُورَةَ الْمُجَادِلَة 10] وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي سُؤَالِ أَصْحَابِهِ لَهُ عَنِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُمُ الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فَقَامَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ فَقَالَ أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ (أَنْتَ مِنْهُمْ) ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ ءَاخَرُ فَقَالَ أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ).

 

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَتَجَنُّبُونَ الْكَيَّ لِلتَّدَاوِي وَالرُّقْيَةَ الْفَاسِدَةَ وَيَتَجَنَّبُونَ الطِّيَرَةَ أَيِ التَّشَاؤُمَ بِنَحْوِ مُرُورِ الطَّيْرِ مِنَ الْيَمِينِ إِلَى الْيَسَارِ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ.

 

وَالتَّوَكُّلُ هُوَ الإِعْتِمَادُ فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُ عَلَى اللَّهِ لأِنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَسَائِرِ مَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ، فَلا ضَارَّ وَلا نَافِعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا اعْتَقَدَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَوَطَّنَ قَلْبَهُ عَلَيْهِ كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى اللَّهِ فِي أُمُورِ الرِّزْقِ وَالسَّلامَةِ مِنَ الْمَضَارِّ.

 

وَجُمْلَةُ التَّوَكُّلِ تَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالثِّقَةُ بِهِ مَعَ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ التَّسَبُّبِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَأْتِيَ الْجَبَلَ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنْ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَسْتَغْنِيَ بِهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ).

 

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)، قَالَ (وَكَانَ دَاوُدُ لا يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمِلِ يَدَيْهِ).

 

فَائِدَةٌ:

مَعْنَى حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اللَّهُ يَكْفِينِي مَا أَهَمَّنِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أَيْ وَنِعْمَ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ الأَمْرُ.