إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
اعلم ان العلماء قالوا إن الذي يقدم على مطالعة الكتب لنفسه من دون معلم ثقة يتلقى منه علم الدين أخذ عن مثله بسلسلة متصلة بأصحاب رسول الله يكون على خطر كبير وقد قال الحافظ الفقيه الخطيب البغدادي إن الذي يطالع في الكتب لنفسه بلا معلم لا يسمى عالما إنما يسمى صحفيا والذي يقرأ القرءان لنفسه من دون قارئ يتلقى منه القراءة لا يسمى قارئا إنما يسمى مصحفيا وهذا الحكم مجمع عليه وهو مفهوم من حديث الطبراني الذي فيه قال رسول الله “أيها الناس تعلموا وإنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه“. ومعنى العلم بالتعلم بالتلقي من أهل المعرفة الثقات. قال عبد الله بن المبارك الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. ولم يقل أحد من العلماء إن الجاهل في أمور الدين يعذر بل الذي يقول هذا يكون جاعلا الجهل خيرا من العلم لأنه على مقتضى كلامه الجاهل لا يؤاخذ وهذا خلاف قول الله تعالى
ا {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وأما حديث البخاري “إن العبد ليتكلم بالكلمة“….الحديث فلقد قال في شرحه الحافظ ابن حجرفي شرح البخاري وذلك ما كان فيه استخفاف بالله وشريعته ولم يقل إمام قط إنه يشترط للحكم بالكفر على المتلفظ به أو معتقده أو قائله أن لا يكون جاهلا وقد قال العلماء في باب الردة: ا الردة تكون بالاعتقاد والفعل والقول سواء قاله عنادا او استهزاء ولم يقل أحد ويعذر الجاهل. ا
ثم الذي يقول إن الجاهل معذور يكون مكذبا لحديث الرسول “افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحده وهي التي على ما أنا عليه وأصحابي“. فالذي يجعل الجاهل في أمر الدين معذورا يكون مخالفا لهذا الحديث فإن كل الفرق المنتسبة للإسلام يزعمون الاجتهاد ويظنون لجهلهم أنهم على الصواب ولم يجعلهم الرسول معذورين لجهلهم وهل لأحد كلام بعد كلام رسول الله وهذا الحديث حديث افتراق الأمة حديث ثابت صحيح. ا
وأما حديث “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه“ فليس محلا للاستدلال على عذر الجهال والعياذ بالله والخطأ معناه كسبق اللسان كما قال الرسول عن الرجل الذي فقد دابته وعليها متاعه وطعامه ثم وجدها فقال (اللهم أنت عبدي وانا ربك أخطأ من شدة الفرح) فالرسول سمى سبق اللسان خطأ وليس الجهل وأما النسيان فهو الذهول وذلك كالذي ينسى أداء الصلاة في وقتها فلا إثم عليه وأما معنى وما استكرهوا عليه فهو مثل ما حصل لعمار بن ياسر حين أخذه الكفار وهددوه بالقتل ليقول كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان ثم جاء الرسول وهو يبكي وأخبر الرسول بما حصل فقال له الرسول “هل كنت شارحا صدرك حين قلت ما قلت” ا قال لا قال “فإن عادوا فعد“. وعلى مثل هذا ينطبق قول الله تعالى {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله}. معناه المكره إذا شرح قلبه للكفر عند النطق به كفر لأن ظاهره الذي أكره وليس قلبه فمن جعل كل إنسان في حكم المكره يكون مكذبا للدّين وقد وقع في ذلك كثيرون لجهلهم بعلم الدين. ا
هذا هو الحق الذي لا محيد عنه الموافق للقرءان والحديث وكلام الأئمة فمن تركه واعتبر الجاهل في أمور الدين معذورا يكون مكذبا للقرءان والحديث والإجماع ومن كذب القرءان أو كلام الرسول فهو كافر نسأل الله السلامة.