
الخروج من الحفرة
بقلم: الشيخ عمر الفاكهاني
كان في مأزق كبير وكرب شديد حين وقعَ في حفرة وسط ليل حالك، لا مجيب لندائه ولا معين لحاجته، لقد بلغ به الجَهد حتى استسلم لمخاوفه التي راودته، وأفكاره التي سيطرت عليه في لحظات اليأس. وبينما هو كذلك إذا بحبل معقود تدلى عليه، عقده متينة سهّلت عليه مهمة الخروج من مستنقع الخوف والظلمة، أطلّ برأسه من فُوهة البئر ليستنشق الحياة من جديد ويرى ضوء القمر البهيج.
هذا الحبل المعقود كان سببا في إنقاذ من كان في تلك الأزمة، ولكن ماذا إن انحلّت عقدُه أو لم يكن به أصلا، هل كان سيصل إلى القمة؟ يستنشق الهواء ويُفكر بمستقبل بعيد وغدٍ مُشرق؟ إنها عقد كفيلة بإخراجه من ظلمة الجُب إلى نور الحياة، ومن دون هذه الثلاثية (الحبل، العقد، ومن رمى بالحبل) لم يكن ليخرج.
هذا هو الحال عندما تنفك روابط المسلمين وتتفرق أوصالهم، تُنقض عُراهم، تفسدُ أمورهم بعد أن كانت ملتئمة، وهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها)، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأن هذه العرى تنقض نقضا متتابعًا.
ولا ريب أن من أوثق العرى رابط الأخوة الذي إذا قوي انتصر الجميع وإذا ضعف كان الخضوع بعد الرفعة والذلة بعد العزة، لذلك فإن المتحابين في جلال الله لهم منابر من نور يوم القيامة، وقد جعل الله سبحانه هذا الحب من آكد الأواصر، فقال حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل).
وعلى الرغم من هذا فإن كثيرا من الإخوة يتنحارون، تتمزق صفوفهم، تتشقق أوصالهم، وقد أقاموا على سور متداعٍ يكاد يهلك من ثقل الحقد والسموم، فصار ما كان يخشى منه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه سأل الله أن لا تتناحر أمته فيما بينهم ولكن قضاء الله نافذ لا يتبدل، فلم يُعط ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، وحصل ما كان يخاف على أمته من تناحر وتقاتل وتخاصم.
وما أبلغَ ما صوَّرهُ القرآنُ الكريم بقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، فهل نحن عاملون؟ وقد أبدعَ النبي صلى الله عليه وسلم حين جعل إيمان الشخص يكملُ بمحبته لأخيه ما يحبه لنفسه فقال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)، فهل نحن ملتزمون؟ وحين جعل من أحب لله في مرتبة الكاملين فهل نحن مُقدمون؟