إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الشيخ أبو عبد الله محمد أحمد عليش المالكي (1) مفتي الديار المصرية الأسبق (ت 1299 هـ) في فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ فِي الْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ المعروف كذلك بفتاوى ابن عليش رحمه الله (ج 2 – 348):
سؤال: مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَبُّ الدِّينِ (أي دين الإسلام) مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (أي من غير قصد الخروج من الدين) هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ أَوْ لَا يُكَفَّرُ وَفِيمَنْ فَضَّلَ كَافِرًا عَلَى مُسْلِمٍ هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ارْتَدَّ لِأَنَّ السَّبَّ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ رِدَّةٌ فَالسَّبُّ رِدَّةٌ بِالْأَوْلَى وَفِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَزَلَلِ لِسَانٍ انْتَهَى وَتَفْضِيلُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ فَهُوَ رِدَّةٌ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَبْحَثِ الطَّلَاقِ زِيَادَةُ شَوَاهِدَ لِتَكْفِيرِ سَابِّ الدِّينِ).
 
 وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ (أَيِ اعْتِقَادٍ) أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ بِاللَّهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ شَعَائِرِهِ أَوْ مَعَالِمِ دِينِهِ (وَالشَّعَائِرُ وَالْمَعَالِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالأَذَانِ وَالْمَسَاجِدِ) أَوْ أَحْكَامِهِ أَوْ وَعْدِهِ بِالْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ أَوْ وَعِيدِهِ بِالنَّارِ وَالْعَذَابِ كُفْرٌ فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ أَيْ لِيَعْمَلِ الإنْسَانُ عَلَى تَجَنُّبِ ذَلِكَ كُلِّهِ غَايَةَ مُسْتَطَاعِهِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
 
(1) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد عليش الأشعري فَقِيه من أعيان المالكية مغربي الأصل تعلم في الأزهر وولي مشيخة المالكية فيه كان جريئا في الحق ينكر على أهل البدع ولو كان المبتدع ذَا منصب وجاه عند الدولة، توفي في القاهرة سنة (ت 1299 هـ)، والشَّيْخُ مُحَّمَد علَّيْش كَانَ يَحْمِلُ علَى مُحَمَّد عَبْدُه العَصَا، مُحَمَّد عَبْدُه أَفْسَدَ الأَزْهَرَ.
 
والله أعلم.