إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ، أمّا بعد فقد قال العلامة النحرير شيخ علماء الحرم المكي الشريف في عصره المحدث محمد عربي التبان (1) المالكي في براءة الأشعريين من عقائد المخالفين (1 – 64) (ودس المبتدعة في كتب الأشعري وغيره من علماء الإسلام شيئاً كثيراً فمن ذلك دسهم التجسيم في تفسير الإمام ابن جرير الطبري عند قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) ودسهم التشبيه في إبانة الإمام أبي الحسن الأشعري ودسهم التشبيه أيضاً في تفسير القرطبي عند قوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده) فمن طالعه يجده متضارباً ودس التيميون في تفسير الألوسي) وقال ما نصه (اتفق العقلاء من أهل السنة الشافعية والحنفية والمالكية وفضلاء الحنابلة وغيرهم على أن الله تبارك وتعالى منـزه عن الجهة والجسمية والحد والمكان ومشابهة مخلوقاته). اهـ
 
وقد قال الله تعالى (ليْسَ كَمِثْلِهِ شَىء) سورة الشورى ءاية 11، وقال تعالى (وَلم يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَد) سورة الإخلاص ءاية 4، وهذه نصوص علماء المذاهب الأربعة ونقل الإجماع على تكفير من يقول الله جسم كالأجسام وعلى كفر من يقول الله جسم لا كالأجسام.
 
الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والأوزاعي والليث بن سعد واسحق بن راهويه وأبو منصور البغدادي والبيهقي وأبو بكر بن فورك وأبو الحسن الأشعري وأبو الحسن الباهلي والباقلاني والقابسي والطرطوشي وابن العربي واسماعيل القاضي وكل علماء الأمة الإسلامية كفروا من يقول عن الله جسم ولو قال لا كالأجسام، فقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارًا ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء) راوه ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ص 588.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه (من اعتقد أن الله جالس على العرش فهو كافر) رواه ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ص 551 نقل ذلك عنه القاضى حسين الذى كان يسمى حبر الأمة لسعة علمه.
وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه (من قال بحدوث صفة من صفات الله أو شك أو توقف كفر) ذكره في كتابه الوصية.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه (من قال الله جسم لا كالأجسام كفر) رواه الحافظ بدر الدين الزركشي في كتابه تشنيف المسامع.
وقال الشيخ الكمال بن الهمام الحنفي (من قال الله جسم لا كالأجسام كفر) ذكر ذلك في شرح فتح القدير باب صفة الأئمة في المجلد الأول.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه (من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به) في كتابه النوادر.
وقال الشيخ نظام الهندي (ويكفر بإثبات المكان لله) في كتابه الفتاوى الهندية المجلد الثاني.
وقال الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي (فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر) في كتابه مختصر الإفادات ص 489.
ونقل الحافظ النووي عن الإمام المتولي الشافعي (أن من وصف الله بالاتصال والانفصال كان كافرًا) روضة الطالبين المجلد العاشر ص 15.
وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي في كتابه إتحاف الكائنات (وقد قال جمع من السلف والخلف إن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر).
ووقال المفسر الرازي (إن اعتقاد أن الله جالس على العرش أو كائن في السماء فيه تشبيه الله بخلقه وهو كفر).
وقال شيخ الأزهر سليم البشري المالكي (من اعتقد أن الله جسم أو أنه مماس للسطح الأعلى من العرش وبه قالت الكرامية واليهود وهؤلاء لا نزاع في كفرهم) نقله عنه الشيخ سلامة القضاعي في كتابه فرقان القرءان ص 100.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه (المجسم كافر) رواه الحافظ السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر ص 488.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر) وهذا إجماع كما بين ذلك الطحاوي في عقيدته.
 
وفي المنهاج القويم على المقدمة الحضرمية في الفقه الشافعي لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي (واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك) ومثل ذلك نقل ملا علي القاري في كتابه المرقاة في شرح المشكاة.
وقال ابن بلبان الدمشقي الحنبلي في كتابه مختصر الإفادات ص 490 (ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، فمن شبهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام فلا تبلغه سبحانه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا تضرب له الأمثال).
وقال الحافظ السيوطي عبد الرحمن جلال الدين بن أبي بكر (المجسم كافرٌ قطعًا) يعني بلا خلاف ولا تردد ولا توقف جزمًا.
وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال في شرحه على البخاري الجزء العاشر ص 432 (خلافا لما تقوله المجسمة من أنه جسم لا كالأجسام واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين ووصفه لنفسه بالإتيان والمجيء والهرولة في حديث الرسول وذلك كله باطل وكفر من متأوله) وفيه تكفير لمن يقول الله جسم لا كالأجسام.
ومثل ذلك تماما قال سراج الدين ابن الملقن الشافعي المتوفى من 804 هـ في كتابه التوضيح المجلد 33 ص 256 (فإنه يكفر من يقول عن الله جسم لا كالأجسام).
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة 422هـ في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص 28 (ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام).
ونقل عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة في المجلد الخامس ص 396 تكفير المجسم، يعني أنّ المجسم كافر في المذاهب الأربعة يعني الإجماع.
 
فالخلاصة أن كل كتاب أو موضع ذُكِرَ فيه أن المُجسِّم مختلف في تكفيره فهذا غير صحيح وهو تعبير ظاهره باطل فقد قال شيخ جامع الزيتونة سيدي إبراهيم المارغني التونسي الأشعري المالكي في كتابه طالع البشرى على العقيدة الصغرى (ويسمى الاعتقاد الفاسد كاعتقاد قِدمِ العالم أو تعدد الإله أو أن الله تعالى جسم وصاحب هذا الاعتقاد مجمع على كفره) انتهى، لاحظوا كيف دلَّ أن الإجماع منعقد على كفر من نسب الجسم إلى الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون لتعلموا أن الحكم بالكفر على المجسمة إجماعيٌّ أي بإجماع علماء أمة محمد بإجماع المعتبرين من العلماء وما خالف الإجماع فهو ضلال بلا شك لأن أمتنا معصومة أن تجتمع على ضلالة والحمد لله.
 
(1) محمد العَربي التّبّان شيخ المالكية في الحرم المكي يُلَقَّبُ بالشّيخ أبي حَامِد بن مرزُوق كانَ مِنَ القَوّالِينَ بالحَقّ الذينَ لا يخَافُونَ في اللهِ لَومَةَ لائِم، محمّد العَربي التّبّان هو ومحمّد أمِين الكُتْبي الحَنَفِي كانَا مِن عُلَماءِ الآخِرَةِ في الزُّهدِ والجُرأة على قَولِ الحَقّ، ثم بعدَ ذَهابِ هَذين وذهَابِ الشَّيخ حسَن المشَّاط المَالِكِي وذهَاب الشّيخ حَسَن اليَمَاني وذَهَاب الشّيخ عَلَوي المَالِكِي مَكّة كأَنّها خَلَتْ مِنَ العُلَماء.