إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن من أعظم النعم التي أكرمنا الله بها هي نعمة العقل، العقل الذي وهبنا الله إياه، لنمتاز به عن الحيوان الأعجم، والصخر الصلب، فبالعقل يشرف الإنسان، وبالعقل يكلَّف المرء المسلم، وبه يعرف خالقه جل شأنه ذلكم العقل الذي يميز به بين الخير والشر، والهدى والضلالة، إذا استعمله الإنسان سببًا في سلوك طريق الهدى، والبعد عن موارد الردى العقل الذي يُعدُّ نعمة عظمى، امتن الله بها علينا، قال تعالى {قُلْ هُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }[الملك: 23].وإنه لا يعلم قدر العقل إلا من وُهبَه، ومن تأمل حكمة الله جل وعلا في أن يكون الطفل الوليد بلا عقل لأدرك أثر هذه النعمة عليه حينما يوهب شيئًا بعدما مُنِع منه، ليكون الإحساس به أشدّ وقعًا،وأجدى نفعًا، قال تعالى {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[النحل: 78].
فالعقل ضرورة كبرى من هذه الضرورات، مرهونة بإيجاد ومنع، فالإيجاد إنما يكون من خلال استعماله في طاعة الله سبحانه واعتقاد دين الإسلام به، والمنع إنما يكون من خلال سد كل ذريعة مفضية إلى إفساد هذا العقل أو تعطيله عن الاتصال بنور الهداية، فلأجل ذا حرِّم كل ما من شأنه أن يكون سببًا في زواله، كشراب المسكرات والمخدرات ثم إن العقل البشري الذي يستطيع أن يؤدي وظيفته على أكمل وجه، هو ذلكم العقل الذي تجرد عن الهوى، وخلص من ربقة التقليد الأعمى، فلم يتأثر بالآراء والأفكار المنحرفة التي تدفعه للوقوع في الزيغ والضلال، كما أنه لم يُعطّل قواه باتباع أعمى، فينجرّ به على انحراف ذريع وزيغ مُردٍ.هذا هو العقل السليم،وأما الذين كبّلوا عقولهم، وعطلوها عن موارد النهل الصافي فهم الذين قال الله عنهم: إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [الأنفال: 22].ولأجل ذلك كان جواب أمثال هؤلاء يوم القيامة (وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ [الملك: 10، 11].
وماجاءت به الكتب المنزلة وما أخبر به الرسل الكرام لايخالف العقل السليم ولايعارضه بل كل ما جاء في الشرع موافق للعقل السليم فاعتقادنا أن الله تعالى يستحيل عليه الشريك والشبيه والمثيل و التحيز في المكان وكل صفات الخلق هو مما يشهد به العقل والفكر الصحيح ، والإيقان بوجود الله تعالى وأنه خالق كل شيء يشهد لذلك العقل السليم، فالعقل السليم يشهد أنه ما من ضربة إلا ولها ضارب وما من كتابة إلا ولها كاتب وهذا العالم بما فيه من غرائب وعجائب ونظام ومخلوقات لابد له من خالق وهو الله العظيم الذي خلق جميع الخلائق بقدرته والعقل يشهد بالحس أن هذه الخلائق لها بداية، فالواحد منا يعرف أن له وقت وجِدَ فيه كان قبله معدوم الوجود وأن المعدوم بالأصل لايمنع أن يعود إلى حالة العدم بعد الوجود فكان من ضرورة العقل أن يقال العبد المخلوق له بداية ونهاية والله تعالى الخالق القدير لابداية لوجوده ولانهاية لوجوده،هكذا يشهد العقل فالمسلمون اعتقادهم أن العقل شاهد الشرع إذ أن الشرع لم يأتي إلا بمجوزات العقول ومع ذلك هناك أحكام شرعية نعتقدها ونطبقها ولاندخل فيها عقولنا وآراءنالأننا نجزم أن فيها الحكمة والمصلحة وإن لم تضح وتظهر لنا هذه الحكم ومن هنا يردد الناس المقولة التى تنسب إلى الإمام علي (لو كان الدين بالرأي لكان مسح الخف من أسفله لامن أعلاه) هذا عن العقل.
وينبغي في هذه العجالة المختصره أن أنبه القراء أن العقل صفة راسخة في البشر ولايجوز أن يوصف الله تعالى بها كما يتسرع ولايتورع بعض من يسمونهم كتاباً إسلامين وينسبون هذه اللفظة الخاصة بالخلق إلى الله ومن ذلك قولهم عن الله تعالى ((العقل المدبر)) وهذا مخالف لأصول الشريعة التي منها أن الله لايوصف بصفات البشر عملاً بالآية القرآنية ((ليس كمثله شئ)) ومخالف للغة العرب التي لايمكن فيها إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى.