إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

إن مما أثبته الشرع الشريف من الأسباب العادية العين فقد أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العين تضر أي بقضاء الله وقدره. ولا تحصل الإصابة بالعين إلا من نظرة حسد أو عجب أما النظرة البريئة فلا يحصل منها الإصابة بالعين.
 
فالذي ينكر الإصابة بالعين فقد خالف الشريعة لأن الرسول أثبت ذلك فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الْعَيْنُ حَقٌّ (أي شىء ثابت)، ولو كانَ شيءٌ سابق القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا» معناه لو كان شىء يغلب قدر الله تعالى لسبقت العين القدر لكن لا شىء يغلب قدر الله، معناه العين لها تأثير كبير. ويفهم من الحديث أنه لا شىء يؤذي أو ينفع إلا بمشيئة الله. والقرءان أيضا أثبت الإصابة بالعين قال الله تعالى ﴿وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر﴾ [سورة القلم/51]. المعنى يا محمد إن الكفار يكادون يصيبونك أي يضرونك بأعينهم لكن الله يحفظك، فهم من شدة غيظهم وحسدهم لو تنفذ لهم لأكلوه بأعينهم لكن الله حفظه من أن ينضر بأعينهم مهما غضبوا منه ومهما حسدوه. وقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ العَينَ لَتُدخِلُ الرَّجُلَ القبْرَ، والجَمَلَ القِدْرَ.
 
وقد حصل في أيام النبي صلى الله عليه وسلم أن اثنين من أصحابه خرجا معه في سفرة مع أصحابه فتجرد أحدهما من ثيابه أي مما سوى العورة ليغتسل من ماء المطر المتجمع بين الصخور، فرفيقه لما نظر إلى بياض جسمه وحسن منظره قال والله ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء أي جلد بنت عذراء أي ما رأيت مثل هذا الجسد في الحلاوة والحسن، فصرع أي وقع في الحال على الأرض، فأخبر الرسول بذلك فغضب وقال: «لأي شىء يضر أحدكم أخاه، لماذا لم يبرك عليه» أي لماذا لم يقل اللهم بارك فيه ولا تضره أو نحو ذلك، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له فتعافى وقام كأنه لم يكن به شىء.
 
الشخص عندما يعجب بشىء بجمال شخص بجمال عينه أو يده أو نشاطه في المشي فيتكلم يخلق الله الضرر في الشخص المنظور إليه تلك النظرة الخبيثة، والشيطان أيضا تلك الساعة يلاحظ أن هذا الإنسان ضرب هذا الإنسان بعينه فيصيب ذلك الإنسان، فيزداد الضرر في هذا الشخص كما دل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «العين حق يحضرها الشيطان وحسد بني ءادم» رواه البزار.
 
   أما لو قال الشخص عند النظر إلى الشىء الذي يعجبه: اللهم بارك فيه ولا تضره ونحو ذلك، فلا يحصل ضرر للشخص يكون حصن ذلك الإنسان.
 
   وقد روى الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وجد في نفسه أو ماله أو ولده ما يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق» فيفهم من هذا الحديث أيضا أن الشخص قد يصيب نفسه بالعين إذا نظر إلى نفسه نظرة العجب والكبر وتكلم عن نفسه على هذا الوجه.
 
   ثم إن كثيرا من إصابات الجن للبشر إنما تكون في المغتسل وفي الخلاء فإذا قال الإنسان قبل أن يضع رجله في الخلاء بسم الله أو قال بسم الله الذي لا إله إلا هو، وعند التجرد للاغتسال قال مثل ذلك يكون حفظ نفسه من إصابة الجن له وهو في هذا المكان.
 
   كان في زمن سيدنا علي رضي الله عنه امرأة اغتسلت في مكان يبال فيه من غير أن تتحصن فإذا بها تنصرع على الأرض فأخبر سيدنا علي رضي الله عنه فرقاها فقامت وليس بها شىء.
 
   وقد روى أبو يعلى في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقدره بالأنفس» المعنى أن أكثر من يمرض مرضا يؤدي إلى الموت في أمتي من العين ومعنى بعد كتاب الله وقدره أي مع كتاب الله وقدره، على حسب قضاء الله وقدره يكون، ومعنى قوله بالأنفس أي بالأعين فيفهم من ذلك أن كثيرا من الأمراض المعضلة التي لا ينجح فيها علاج الأطباء تكون من العين.
 
   ويحسن إذا أراد الشخص أن يحصن ولده أن يقول: «أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» رواه البخاري.
 
   فإن كان له عدة أولاد يحصنهم جملة فيقول أعيذكم، وإن شاء يحصن كل واحد منهم بمفرده.
 
   وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته الطريقة التي يعالج بها من أصيب بالعين فقال «العين حق فإذا استغسلتم فاغسلوا» رواه مسلم. المعنى أنه إذا أصيب شخص بالعين فوقع عليه الضرر فليغسل الذي أصابه أطراف جسمه أي وجهه ويديه وركبتيه ونحو ذلك كهيأة الذي يتوضأ ثم يؤخذ هذا الماء في إناء ثم يصب على المريض من خلفه ثم يرمى هذا الإناء مقلوبا خلف المصاب رأسه إلى الأرض وأسفله إلى فوق فيتعافى المصاب بإذن الله.
 
   وعلامة العين أن الإنسان قد يكون بحالة الصحة لا يشكو شيئا فإذا به يصاب على الفور بسخونة أو وجع العين أو فالج أو حمى أو غير ذلك من الأمراض وقد يعمى كما حصل للقارىء المشهور الشيخ محمد رفعت المصري صاحب الصوت الجميل فقد قيل إنه في صغره كان يمشي مع أبيه فأعجب رجل بحسن عينيه فقال هذا كأولاد الملوك، فمن هناك أصيب حتى عمي وبقي عمره أعمى.
 
   وقد روى سيدنا علي رضي الله عنه أن الحسن والحسين أصيبا بالعين فمرضا فاكتأب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أصابهما فجاءه جبريل فقال له يا محمد إني أراك مكتئبا فقال إن الحسن والحسين مصابان فقال له عوذهما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «بم أعوذهما» فقال له قل «اللهم ذا السلطان العظيم والمن القديم، ذا الرحمة الكريم، ولي الكلمات التامات والدعوات المستجابات عاف حسنا وحسينا من أنفس الجن وأعين الإنس» رواه ابن عساكر. فرقاهما رسول الله بما علمه جبريل من هذا التعويذ فقاما يلعبان ما بهما شىء.
 
   فإن قرأ الشخص هذا الدعاء لنفسه يقول عافني وإن كان الذي أصيب بالعين ولده أو زوجته يقول عاف فلانا أو فلانة، فقد روي عن سيدنا علي أنه قال: «عوذوا بهؤلاء الكلمات أنفسكم ونساءكم وأولادكم» رواه البيهقي. وهذا التعويذ الذي علمه جبريل لرسول الله إذا حصن الشخص نفسه به ينفعه حتى قبل أن يصاب بالعين.
 
   ومعنى المن القديم أي الإحسان القديم لأن إحسان الله تعالى قديم أزلي، فالله تعالى محسن أزلا وأبدا ولو لم يكن في الأزل مخلوق يصيبه أثر الإحسان بعد وجوده هذا على مذهب الماتريدية وإلا فإحسان الله أثر إرادة الإنعام. ومعنى ذا الرحمة الكريم أي يا ربنا الموصوف بالرحمة أنت كريم. وولي الكلمات التامات أي مستحقها وهي ألفاظ القرءان والأذكار التي يمجد الله بها ويقدس، والكلمات التامات هي الكلمات التي ما فيها نقص، ومن أنفس الجن معناه من الضرر الذي يصيب الإنسان بسبب الجن، وأعين الإنس أي والضرر الذي يلحق بسبب أعين الإنس.
 
   فالذي لا يصدق بوجود الإصابة بالعين فهو فاسق لكن لا يكفر إلا أن يكون إنكاره على وجه العناد للشرع فيكفر بذلك.
 
   ثم إن من نظر إلى ءاخر نظرة حسد فأصابه بالعين من غير قصد منه وقع في الكراهة حيث إنه لم يدع له بالبركة، وأما إن كان يعتقد أنه يصيبه بالعين ففعل ذلك فعليه معصية.
 
تنبيه مهم: لا يجوز أن يقع من نبي أن يصيب أحدا بالعين لأن الإصابة بالعين تصحبها نظرة الحسد التي تدل على دناءة نفس وهذا مستحيل على الأنبياء.
 
 
 
 
 

 إنَّ العَينَ لَتُدخِلُ الرَّجُلَ القبْرَ، والجَمَلَ القِدْرَ