إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
العَرْشُ بِشَكْلِ سَرِيْرٍ بِالإِجْمَاعِ
قال القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد قاضي الجماعة بقرطبة المعروف بابن رشد الجد المالكي (520 هـ) ما نصه (وإضافته (أي العرش) إلى الله تعالى إنما هو بمعنى التشريف له كما يقال بيت الله وحرمه لا أنه محل له وموضع لاستقراره) ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل، المدخل فصل في الاشتغال بالعلم يوم الجمعة (149 – 2).
وفي الجامع لمسائل المدونة للإمام الكبير أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي المالكي وهو من أصحاب الوجوه (المتوفى 451 هـ) كتاب المحاربين والمرتدين، الباب الخامس، جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات (قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان عند مالك جالساً فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال مسألة، فسكت عنه، ثم أعاد عليه، فرفع فيه رأسه كالمجيب له، فقال له السائل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف كان استواؤه؟ قال فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرئ سوء، أخرجوه).
وفي الجامع لمسائل المدونة للإمام الكبير أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي المالكي وهو من أصحاب الوجوه (المتوفى 451 هـ) الباب السابع، باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات، فصل في الاستواء (قال القاضي رضي الله عنه وأنه سبحانه مستو على عرشه كما قال عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة).
وَالعَرْشُ بِشَكْلِ سَرِيْرٍ بِالإِجْمَاعِ، وَالأَسِرَّةُ عَادَةً مُرَبَّعَةٌ، فِي شَرْحِ إِحْيَاءِ عُلُوْمِ الدِّيْنِ يَقُوْلُ كُلُّ قَوْلٍ يُؤَدِّي إِلَى تَقْدِيرِ اللهِ تَعَالَى (أَيْ بِمِقْدَارٍ) فَهُوَ كُفْرٌ، مَعْنَى قَوْلِهِ القَوْلُ الَّذِي فِيْهِ أَنَّ اللهَ مُرَبَّعٌ أَوْ مُخَمَّسٌ أَوْ مُسَدَّسٌ أَوْ مُسَبَّعٌ أَوْ مُثَمَّنٌ فَهُوَ كُفْرٌ، هَذَا مُرْتَضَى الزَّبِيْدِيُّ كَانَ فِي الحَدِيْثِ بَحْرًا وَفِي اللُّغَةِ، إِلَى الآنَ مَا جَاءَ مِثْلُهُ (أَيْ مُنْذُ زَمَانِهِ)، الإِنْسَانُ يَعْجَبُ كَيْفَ أَلَّفَ هَذِهِ المُؤَلَّفَاتِ وَفِيْهَا هَذِهِ النُّقُوْلُ الكَثِيْرَةُ، شَرْحُ الإِحْيَاءِ اثْنَا عَشَرَ مُجَلَّدًا وَشَرْحُ القَامُوْسِ عِشْرُوْنَ سَلِسُ العِبَارَةِ فِي النَّظْمِ وَفِي النَّثْرِ كَذَلِكَ.
وقد قَالَ الإِمَامُ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ) رَوَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِىُّ، فَالملائكة الذين هم حوله والذين هم حاملو هذا العرش الذين هم في عُظْم الخلقة لا مثيل لهم بين عباد الله تعالى، أحدهم ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام بخفقان الطير المسرع، فهؤلاء يزدادون تعظيماً لربّهم وإيقاناً بكمال قدرته لمّا يرون هذا العرش.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِى جَنْبِ الْكُرْسِىِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضٍ فَلاةٍ وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِىِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ) وَالْعَرْشُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ بَعْدَ الْمَاءِ ثُمَّ الْقَلَمُ الأَعْلَى ثُمَّ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ الْقَلَمُ عَلَى اللَّوْحِ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ أَوَّلَ خَلْقِ اللَّهِ نُورُ مُحَمَّدٍ أَمَّا حَدِيثُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورُ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ فَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالإِجْمَاعِ وَفِيهِ رَكَاكَةٌ وَالرَّكَاكَةُ مِنْ عَلامَاتِ الْوَضْعِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ.