إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الله قاهر كل شىء
 
اللهُ تباركَ وتعالى قاهرُ كلِّ شىء قاهرُ الأجرامِ الكبيرةِ والأجرامِ الصغيرةِ الذَّرَّةُ والعرشُ كلاهُما مخلوقانِ للهِ تعالى وإنْ كانَ بينَهما فرقٌ كبيرٌ مِنْ حيثُ الحجمِ، مِنْ حيثُ الحجمِ فرقٌ كبيرٌ بينَ العرشِ وبينَ الذرَّةِ.
 
والذرَّةُ في عرفِ أهلِ الشرعِ هذا الذي يظهَرُ مِنَ النافذةِ لما تدخلُ الشمسُ أليسَ تَرى العينُ أشياءَ صغيرةً في ضوءِ الشمسِ الذي يَنفذُ منَ الخارجِ إلى النافذةِ هذا يقالُ لَهُ ذرةٌ، ويقالُ للنملةِ الحمراءِ الصغيرةِ النملُ الصغيرُ الأحمرُ يقالُ لَهُ الذرُّ، وهذا الذي يظهرُ خلالَ الضوءِ الذي يَنفذُ منَ النافذةِ يقالُ له أيضًا الهباءُ.
 
اللهُ تباركَ وتعالى أرادَ أنْ يُبَيّنَ لعبادِهِ أنَّه قاهرُ كلِّ شئٍ بقولِهِ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ﴾ ليسَ معناهُ أنَّه استوَى على العرشِ فقطْ أيْ قهرَ العرشِ فقطْ لا، بلْ هُوَ قاهرُ كلِّ شئٍ قاهرُ السمواتِ والأرضِ بما فيها مِنَ الجبال والأنهارِ وقاهرُ ما بينَ السماءِ والأرضِ مِنَ الموجِ المكفوفِ.
 
يوجَدُ موجٌ بينَ السماءِ والأرضِ مكفوفٌ بقدرةِ اللهِ ممسوكٌ بقدرةِ اللهِ، لذلكَ أحيانًا ينزِلُ سمكٌ مِنَ الفضاءِ، ما عَلِمْتُم بذلكَ؟
عوالمُ اللهِ كثيرةٌ هذهِ السماءُ الأولَى هيَ جسمٌ صلبٌ جسمٌ متينٌ ليسَت شيئًا رخْوًا، هيَ مِنْ سعَتِها فيها بابٌ خلَقَهُ اللهُ تعالى للتوبةِ.
 
توبةُ التائبينَ، الملائكةُ يصعدونَ بالتوبةِ مِنْ هذا البابِ، الرسولُ عليهِ السلامُ قالَ (مسيرةُ عرضِهِ سبعونَ سنةً) هذا البابُ الواحدُ، ولها أبوابٌ أخرى.
 
بابُ الحفظَةِ الذي عرجَ منه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ليلةَ المعراجِ، إذا كانَ هذا البابُ الواحدُ مِنْ أبوابِ السماءِ وهُوَ جزءٌ صغيرٌ، جزءٌ صغير مِنْ جُملةِ جرمِ السماءِ، فما بالُكم بجملةِ جرمِ السماءِ.
 
وقالَ الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عنْ هذا البابِ الذي هُوَ بابُ التوبةِ (إنَّ اللهَ خَلَقَهُ مفتوحًا لا يُغْلَقُ حتى تطلُعَ الشمسُ مِنْ مغرِبها).
 
للفائدة:
 
قال ابن المنير في كتابه شرف المصطفى:
 
ذكر ابن حبيب أن بين السماء والأرض بحرا يسمى المكفوف، يكون بحر الأرض بالنسبة إليه كالقطرة من البحر المحيط، وأن هذا البحر انفلق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حتى جاوزه، وذلك أعظم من انفلاق البحر لموسى.
 
الفتاوى للحافظ السيوطي.
 
ابن حبيب: عبد الملك بن حبيب من كبار أعمدة المالكية صاحب كتاب الواضحة، عالم الأندلس وفقيهها في عصره المتوفّى 238 هجرية رحمه الله تعالى.