إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الله تعالى جعلَ البشَر مبتلَين بشَهوةِ الأكل والطعام والنّساء وغيرِ ذلك ولا اعتراضَ عليه ولا يُقالُ لِم لَمْ يجعلِ البشرَ كالملائكة
تَركيبُ الشّهوةِ في البشَر، شَهوةِ الأكل والشُّرب وغيرِ ذلكَ أليس ابتلاء منَ الله، الله تعالى كان قَادرًا على أن يَخلقَ البشَر كالملائكة (1) لا يَشتَهُونَ أكلاً ولا شَرابًا ولا زواجًا لكن ما فَعل ذلكَ في البشَر بل جعلَهم مبتلَين بشَهوةِ الأكل والطعام والنّساء وغيرِ ذلك، ولا اعتراضَ عليه، لا يُقالُ لِم لَمْ يجعلِ البشرَ كالملائكة. الله تعالى فَعّالٌ لما يُريد لا يُسأل عما يَفعل وهم يُسألون.
قال السّائل: كيف نُفسِّرُ غَريزةَ الأكل والشُّرب والجِنس هل هيَ ابتلاء بالنسبة للبشر.
جواب: ابتلاءٌ لأنّ بعضَ الناسِ يَصبِرُونَ معَ وجُودِ هذِه الدّواعِي عمّا حرّم الله فيَرتَقُونَ دَرجاتٍ ويَعلُونَ منَازِلَ عاليةً وبعضُ الناسِ يَتبَعُونها ويَعصُونَ خَالقَهُم فيَكُونونَ خَسِروا.
يَصبِرُ الإنسانُ معَ وجُودِ الدّاعيةِ والميلِ إلى الأكلِ اللّذيذ عن أن يتَناولَ هذا الأكلَ اللّذيذ بطريقٍ حَرّمَه الله فبِصَبْرِه هذا يَعلُو دَرجاتٍ، كذلكَ سائرُ المشتَهَيات مَن كَفّ نَفسَهُ عنها عن أن يُباشِرَها بطَريقٍ حَرّمَهُ الله تعالى تَعلُو دَرجَاتُه، قال الله تعالى (وأمّا مَن خَافَ مَقامَ ربِّهِ ونَهى النَّفسَ عن الهَوى فإنَّ الجنَّةَ هي المأْوى) سورة النازعات.
قوله تعالى (مَقامَ رَبِّه) معناه الحِساب، حسابَ يومِ القِيامة، الذي خافَ ذلكَ اليوم العظيمَ فكَفّ نَفسَه عن المحرَّمات فإن هذا له الجنةَ التى هي المأوى أي هيَ مَأواه أي بلا نار أي بلا عَذابٍ يَدخُلها، مَقَامَ ربّه معناهُ وقوفُ العبدِ للحِساب والسّؤال.
قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) [النازعات 40] أي علِمَ أنّ لهُ مَقامًا يوم القيامة يحاسِبُه فيه ربُّه.
قوله تعالى (وَنَهَى النَّفْسَ) الأمّارَةَ بالسُّوء.
قوله تعالى (عَنِ الْهَوَى) المؤذِي، أي زَجَرها عن اتّباعِ الشّهَوات.
وقيل هو الرَّجلُ يهُمّ بالمعصية فيَذكُر مَقامَه للحِساب فيَتركُها، والهَوى مَيلُ النّفس إلى شَهواتها.
قوله تعالى (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى) أي المرجِع.
ثم إنّ عُلَماءَ أهل السّنة ألّفوا في بيانِ التّنزيه كتُباً كثيرةً ومِن هؤلاء أبو جعفر الطّحاوي الذي كانَ مِنَ المحدّثينَ الحفّاظ ومِنَ الفقهاءِ أهلِ الأصول، ألّفَ كتابًا لهُ يُسمّى عقيدة أهل السّنة والجماعة لأنها تُعبّرُ عَمّا كان عليه الصّحابةُ والتّابعونَ وأتباعُ التّابعِين وأتباعُ الأتباع وتَبَع الأتباع وتُعبّر عن معتقَدِ أولئكِ أهلِ القُرون الثّلاثةِ الذين شَهِدَ لهم الرسولُ بأنّهم خَيرُ القُرون.
الله تعالى مُنزّه عن الأدواتِ كاللِّسان واللّهاةِ والأنامِل، فالله تَبارك وتعالى يُقالُ عنهُ مَوجودٌ لا يُشبِهُ الموجُودات موافَقةً لقوله تعالى (ليسَ كمِثلِه شَىء).
(1) الملائكة هم أجسام نورانية لطيفة ذوو أرواح مشرفة فهم عباد مكرمون عند الله، ليسوا ذكوراً ولا إناثاً، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتعبون ولا يتوالدون وهم عباد مكلفون لا يعصون الله تعالى ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وهم عباد مكلفون موكلون بأعمال شتى، فمنهم من هم موكلون بالمطر والنبات، ومنهم موكلون بكتابة أعمال بني ءادم، وبعضهم موكلون بتوفي الأرواح، وبعضهم موكلون بحفظ بني ءادم، يحفظونهم من تلاعب الجن بهم إلا أنهم لا يمنعون وقوع القدر، فما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن، ومنهم موكلون بتبليغ السلام إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من أمته ومنهم موكلون بكتابة ما يسقط من ورق الشجر.