إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الله تعالى ليسَ بمحكُوم لأحَد، هو الحاكمُ الذي لا يُحكَم وهو الآمرُ الذي ليس لهُ ءَامرٌ، النَّاهِي الذي ليسَ لهُ ناهٍ، لهُ الأمرُ والنَّهْيُ على عبادِه، أمَّا هو ليسَ لهُ ءَامرٌ ولا ناهِي لأنَّ كلَّ ما دخَل في الوجودِ مِلكُه وخَلْقُه.
 
أبو حنيفةَ رضي الله عنه، وهوَ منَ السَّلَف الصالح (ت 150 هـ) قال (إذا كانَ العبادُ مخلوقينَ للهِ فبالأَولى أن تكونَ أفعَالُهم مخلوقةً لله).
 
ومما اتَّفَقَ عليهِ سلَفُ الأُمَّةِ وخلَفُهم هذه الكلمة (ما شَاءَ اللهُ كانَ ومَا لم يشَأ لَم يَكُن) رواه أبو داود والنَّسائي.
 
معناهُ أنَّ ما سبَقَ في مشيئةِ اللهِ الأزليَّة أنَّهُ يكونُ يحصُل، لا بُدَّ أن يحصُل، وإنْ لم يَشإِ اللهُ دخُولَهُ في الوجُود لا يَدخُلُ في الوجُود.
 
وهذه الكلمةُ أصحابُ رسولِ اللهِ كانُوا يقولونها، فالسَّلامةُ باتِّباعِها والتَّمسُّكِ بها والهلاكُ والضَّلالُ في الخروج منها.
 
أمين شَيخُو كانَ علَّم جماعتَه أنَّ اللهَ شاءَ السَّعادةَ لجَميع العبادِ إنَّما العبادُ خَالفُوا مشيئتَهُ، وقال لهم أيضًا ضلالةً أُخرَى تُشبِهُ هذه يقولُ لهم: اللهُ تَعالى لا يُعذِّبُ، العقابُ ليسَ معناه التَّعذيب، العِقابُ معناه التَّعقُّب.
هذا حرَّفَ القرءانَ وخرَج عن اللُّغَةِ العربيَّة، لو كانَ أبو جَهلٍ حيًّا وسمِعَهُ لضَحِكَ منهُ.
وقالَ عن جَهنَّم طِبابة، قالَ هذا ليسَ تَعذيبًا هذا تطهيرٌ طِبابة عِلاج، وهذا الرَّجُل توفي في السَتِّينَات، ومن ضَلالاتِه أنَّه قالَ: الرَّسولُ كانَ قبلَ أن يَنزلَ عليهِ الوَحيُ يَشتَغِلُ بالفِكْر والذِّكْر فجاءَتْه النُّبُوَّةُ أي أنَّه اكتَسبَها، بعمَلِه نَالها، فقال لهُ بعضُ النّاس النّبوةُ ليسَت مُكتَسَبة، قال بل هيَ مكتَسبَة حتى اليوم ينَالها مَن اجْتهَد.
 
فمَن فتَحَ اللهُ قَلبَه يَفهَمُ أنَّ اللهَ خَالقُ كلّ شَىء ويعتقدُ هَذا عن قَبُول نفسَاني واطمئنانِ بالٍ وقَلب، وأمَّا مَن أَقْفَل اللهُ قَلبَه فلا أحَدَ يَستطِيعُ أن يُفَهِّمَه.
 
هذه الآياتُ التي أنزلها اللهُ للأنبياء أي المعجزات التي أنزَلها للأنبياء ما كُلُّ مَن شاهدَها اهتدَى، إنما اهتَدى بعضُ مَن شاهدَها، فالبَعضُ الذي اهتَدى بها همُ الذينَ فَتَحَ اللهُ قلُوبَهم لفَهْم المعنى، لفَهم الحقّ، والذينَ لم يَهتدُوا بها همُ الذينَ أَقفَل اللهُ قلُوبَهم، قال الله تعالى (أمْ على قلُوبٍ أقفَالُها).
 
كانَ سيِّدُنا عمرُ رضي الله عنه يُنشِد هذه الأبياتَ التي هيَ من قَصيدَة لَبِيدِ بنِ رَبِيْعَة، كان يُنشدُها كثيرًا لأنَّ فيها الإيمان بالقَدَر والتَّسليم لله تبارك وتعالى:
 
إنَّ تَقوَى ربِّنا خَيرُ نَفَل *** وبإذنِ اللهِ رَيْثِي وعَجَل
أحمَدُ اللهَ فَلا نِدَّ لهُ *** بيَديْهِ الخَيرُ ما شاءَ فعَل
مَن هَداهُ سُبُلَ الخَيرِ اهتَدَى *** ناعِمَ البالِ ومَنْ شاءَ أَضَل
 
معنى مَن هَداهُ سُبُلَ الخَير اهتدَى أي أنَّ اللهَ هو الذي يَخلُق الهِدايَة فيمَن شاءَ مِن عبادِه، ومَن شاءَ أضَل، ومَن شاء أي الله أضلَّ، يُضلُّه يخلُقُ فيهِ الضَّلالةَ.
مَن عرَف الإيمان وءامنَ بقَضاءِ الله وقدَرِه وسَلَّم للهِ تَسلِيمًا هانَت عليه المصِيبَات مِن حيثُ القَلب، وإنْ تأَلم مِن حيثُ إنَّ الطَّبيعَة البشَريَّة جُبِلَت على الانزعاج منَ المصائب، لكنْ مِن حيثُ الاعتقادُ يكونُ مُرتاحَ البال لأنَّ كلَّ الأمور عندَه بمشيئة الواحِد القَهَّار فيرتاح بالُه.
 
لَبِيدُ بنُ رَبيعة لما قالَ وبإذنِ اللهِ رَيثِي وعجَلْ بَيَّن أنَّ كونَ العَبدِ نَشِيطًا بقَضاءِ اللهِ وكونَهُ على خِلاف ذلك فبمشيئةِ الله، وبإذنِ الله رَيثِي أي بمشيئةِ الله رَيثيْ وعَجلْ أي إبطائي وعَجَلِي.
 
الإِذْنُ يُطلَقُ على مَعنيَين، يُطلَق بمعنى المشيئة، إذا قيلَ بإذنِ اللهِ حصَلَ هذا الشَّىء معناهُ بمشيئتِه، ويُطلَق على الرُّخْصَة مِن قِبَل الله في الإقدَام على الشَّىء.
 
رحم الله من كتبه ونشره.