إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الله لا يُشبه شيئًا من العالَم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ له النِّعمَةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسن، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدنا مُحمَّدٍ أشرفِ الْمُرسلين وحبيبِ ربِّ العالمين، أما بعد فقد قالَ اللهُ تعالى (فاعلم أنه لا اله الاّ الله واستغفر لذنبك) هذهِ الآيةُ تدلُّ على أنَّ أشرفَ العلومِ العلمُ باللهِ أي معرفَةُ الله لذلِكَ قالَ أبو حنيفَةَ رضيَ اللهُ عنهُ (عِلْمُ التوحيد الفقهُ الأكبر) أما عِلمُ الصّلاةِ والصِّيامِ والزكاةِ والحجِّ فهوَ بالنسبةِ لعلمِ التوحيدِ العلمُ الأصغر، وذلكَ لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالى مَنْ عَرفَهُ كما يَجِبُ وءامَنَ به وبرسولِهِ مُحمَّد ومات على ذلك لابدَّ أنْ يدخُلَ الجنةَ ولو ماتَ وعليهِ ذنوبٌ كبيرة، يدخلُ الجنّةَ إما بعدَ عذابٍ أو بِلا عذاب، أما مَنْ لَمْ يعرفِ التوحيد ومات على حاله فليسَ لهُ حَظٌ مِنْ جنَّةِ الله مهما كانَ كثيرَ الصَّلاةِ والصيامِ. كثيرٌ مِنَ الناسِ يَحفظونَ القرءانَ ولا يعرفونَ خالِقَهُم يظنّونَ أنَّ اللهَ جِسمٌ قاعدٌ في السَّماءِ أو قاعدٌ على العرشِ فهؤلاءِ ما عرفوا الله فليسَ لَهم حَظٌ مِنَ الإسلامِ.
اللهُ موجودٌ لا يُشبِهُ شيئًا مِنَ العالَمِ، والعالَمُ شيئانِ إما جِسمٌ وإما صِفَةُ الجسمِ، والجسمُ نوعان إما جسمٌ كثيف أو جسمٌ لطيف، والجسمُ الكثيفُ كجسمِ الإنسانِ والشَّمسِ والقمَرِ والنجمِ والحجَرِ هذا جسمٌ كثيفٌ يُضبَطُ باليدِ؛ أما الجسمُ اللّطيفُ فهو ما لا يُضبَطُ باليدِ كضوءِ الشمسِ والكهرُباء والروحِ والملائكةِ والْجنّ أجسامٌ لطيفةٌ لا تُضبَطُ باليدِ لذلكَ الجِنِيُّ يستطيعُ أن يدخُلَ في جسمِ الإنسانِ مِنْ غيرِ أن يُحِسَّ بهِ، يدخلُ إلى القلبِ فيُوَسْوِس (1).
الجسمُ إما لطيفٌ وإما كثيفٌ، اللهُ لا يشبهُ هذا ولا يشبهُ هذا ومع هذا يُسمَّى اللهُ النور ومعناهُ المنير، هو خَلَقَ الشَّمسَ والقمَرَ والنجومَ وجعَلَ فيها النّور، على هذا المعنى يُسمَّى النور أو على معنى الهادي ليس على معنى أنه كالشمسِ والقمر، واللهُ خلقَ العرشَ وهوَ سريرٌ كبيرٌ له أربعُ قوائم خلقَهُ ليكون كعبةً للملائكةِ يطوفونَ بهِ وإذا صلّوا اتجهوا إليهِ، والعرشُ فوقَ الماءِ ومِنْ هذا الماء خُلِقَ العالَم، النورُ خُلِقَ مِنَ الماءِ والنارُ خُلِقَت مِنَ الماءِ والبشرُ أصلُهُ مِنَ الماءِ، خَلَقَ اللهُ الترابَ مِنَ الماء وخَلَقَ مِنَ الترابِ البشَر، اللهُ خَلَقَ الجسمَ اللَّطيفَ والكثيفَ فلا هوَ جِسمٌ كثيفٌ ولا هوَ جِسمٌ لطيفٌ، لا يُشبِهُ هذا ولا هذا بوجهٍ مِنَ الوجوه، ثُمَّ هذهِ العوالِمُ لَها صِفَاتٌ (الْحرارَةُ والبرودَةُ والْحركَةُ والسُّكونُ وغيرُ ذلكَ) هذهِ صفاتُ الجسمِ ولا يجوزُ أنْ يوصَفَ اللهُ بِها، فلا يوصَفُ بالانبسَاطِ ولا باللَّذَّةِ ولا بالألَمِ لأنَّ هذهِ مِنْ صفَاتِ الخلقِ، ورضا الله ليسَ كرضانا وغَضبُهُ ليسَ كغَضَبِنا، غَضبُنـا ورضَانا انفعالٌ يطرأ على القَلبِ أمَّا غَضَبُ الله ورضاهُ فليسَ هكذا، غضَبُ اللهِ إرادتُهُ الانتقام ورضا الله إرادتُهُ الإنعام والإحسَان.
وقد قال الشيخ الحسين بن محمد السعيد الورثيلانيّ الجزائري (المتوفى سنة 1193 ھ) في شرحه على نظم النورية في التوحيد ما نصه (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) أي لم يشابه أحدًا ولم يشابهه أحد، منزه على الإطلاق وغنيٌّ بالاتفاق، لا يعزب عنه شىء، فهو قائم بنفسه على الدّوام، يجب له الكمال على العموم، فليس في مكان، ولا في زمانٍ، ولا في جهةٍ، ولا له وُجهة، ولا بجوهرٍ، ولا عرضٍ إذ كلّ ذلك يستلزم الحدوث والافتقار إلى مخصص) وقد توفي الشيخ الحسين بن محمد في قريته بني ورثيلان التابعة لولاية سطيف وهي ولاية جزائرية تقع غربي الجزائر وما زال قبره فيها يزار إلى اليوم ومن أبرز مؤلفات الورثيلاني أيضًا كتاب نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار المعروف بـالرحلة الورثيلانية وهو كتاب في التاريخ يُحسب من بين أهم وأكبر الأعمال التي أنجزها الورثيلاني في علم التاريخ، والرحلة الورثيلانية من أهم المصادر التي تضاف إلى مؤلفات الرحّالة المغاربة ومن بين أبرز الرحلات التي شهدتها الفترة العثمانية خلال القرن الثاني عشر الهجري.
(1) الوسوسة حديثُ سرٍّ يعيهِ القلب ولا تسمَعُهُ الأذن ولا يستطيع الشّيطان أن يدخل جسم نبيّ.