إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وألِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ و الصالحينَ.
 
حَدِيث (فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
 
أي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَيِ الدَّوَامَ فِيهَا إِلَى الأَبَدِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ أَيْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا فِي قَلْبِهِ لا مُنَافِقًا لِيُرْضِيَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ فِي قَلْبِهِ غَيْرُ رَاضٍ بِالإِسْلامِ إِمَّا بِشَكِّهِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ أَوْ بِتَكْذِيبِهِ فِي قَلْبِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 
وَمَعْنَى (يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) أَيْ يَبْتَغِي الْقُرْبَ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ لِمُرَاءَاةِ النَّاسِ بِدُونِ اعْتِقَادٍ. وَالْوَجْهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ يَأْتِي بِمَعَانٍ عَدِيدَةٍ مِنْهَا الْقَصْدُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
 
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ *** رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
أَيِ الْقَصْدُ
 
وَكَذَلِكَ وَرَدَ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ [يعني أغلبها عورة] فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ إِذَا كَانَتْ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا) وَمَعْنَى وَجْهِ اللَّهِ هُنَا طَاعَةُ اللَّهِ.
 
وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْوَجْهَ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ فِي الْقُرْءَانِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ الْجَسَدُ الَّذِي هُوَ مُرَكَّبٌ عَلَى الْبَدَنِ فَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ لِأَنَّ هَذِهِ هَيْئَةُ الإِنْسَانِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقُ الْعَالَمِ مِثْلَهُمْ. فَاللَّهُ لَيْسَ حَجْمًا بِالْمَرَّةِ، لا هُوَ حَجْمٌ لَطِيفٌ وَلا هُوَ حَجْمٌ كَثِيفٌ لِأَنَّ الْعَالَمَ حَجْمٌ كَثِيفٌ وَحَجْمٌ لَطِيفٌ. ثُمَّ هَذَا الْحَجْمُ لَهُ صِفَاتٌ حَرَكَةٌ وَسُكُونٌ وَتَغَيُّرٌ وَلَوْنٌ وَانْفِعَالٌ وَتَحَيُّزٌ فِي الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ فِي الْجِهَاتِ وَالأَمَاكِنِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ فِي خَلْقِهِ.