إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

ليس في قول الله تعالى المذكور في سورة الأعراف (لَنْ تَرَانِي) نفي لرؤية الله تعالى في الآخرة كما زعم الزمخشريُّ محرِّفًا معنى الآية، لأنَّ (لَنْ) لا تقتضي تأبيد النَّفي ولا تقتضي توكيده، إذ لو كانت كذلك لَلزمَ التناقض بذكر اليوم في قوله تعالى في سورة مريم (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)، ولَلزمَ التكرار بذكر أبدًا في قوله تعالى في سورة البقرة (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا).
 
قال الإمام محمد مرتضى الزبيديُّ رحمه الله في تاج العروس [(لَنْ) ولا تُفِيدُ تَوْكِيدًا لنَفْي ولا تَأْبِيدَه خِلافاً للزَّمَخْشَرِيِّ فيهما في قَوْلِه تعالى (لَن تَرَانِي) [الأعراف 143] وهُما دَعْوَى بلا دليلٍ وفيه دَسِيسَةٌ اعْتِزاليَّةٌ حَمَلَتْه على نَفْي الرُّؤْيَةِ على التَّأْبِيدِ، ولو كانتْ للتَّأْبِيدِ لم يُقَيَّدْ مَنْفِيُّها باليومِ في قوْلِه (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً) [مريم 26]، ولَكانَ ذِكْرُ الأبَدِ في قَوْلِه تعالى (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة 95] تَكْراراً والأَصْلُ عَدَمُهُ كما صرَّحَ به غيرُ واحِدٍ ومَرَّ تَحْقِيقُه في الراءِ]. اهـ
 
وقال ابنُ الجوزيّ رحمه الله في زاد المسير (3/256) [قوله تعالى (لَن تَرَانِي) [الأعراف 143] تعلّق بهذا نفاة الرؤية، وقالوا (لن) لنفي الأبد، وذلك غلط لأنها قد وردت وليس المراد بها الأبد في قولـه (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [البقرة 95]، ثم أخبر عنهم بتمنيهم في النار بقوله تعالى (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) [الزخرف 77] ولأن ابن عباس قال في تفسيرها (لن تراني في الدنيا)]. اهـ
 
واحتجاج المعتزلة بأنه يلزم من القول بالرؤية تشبيه الله بخلقه غير مسَلَّمٍ، فكما صحَّ عِلم الخَلْقِ بالربّ من غير أن يكون في جهة، صحَّ أن يُرى تعالى في الآخرة بلا جهة، وليس واجبًا عقلًا أن تكون رؤية المؤمنين له كرؤيتهم للمخلوق في استلزام الجهة إذ المصحّحُ للرؤية الوجود لا الحجمُ.
 
وتواقح الزمخشريُّ جازاه الله بما يستحقُّ ببيتين من الشعر طعن فيهما بأهل السنّة وهما:
 
لَجماعةٌ سَمَّوْا هواهم سنةً **** وجماعةٌ حمرٌ لَعَمْري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا **** شَنْعَ الورى فتستروا بالبَلْكَفَة
 
ومراده بالبلكفة قول أهل السنة بلا كيفٍ كما ذكره أبو حيان في البحر وابنُ السبكيّ في الطبقات.
 
والله تعالى أعلم وأحكم.