إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
النُّبُوَّة مشتقة من النَّبْوَةِ وهي الرِّفعة، أو من النبأ وهو الخبر، فالنبي فعيل بمعنى فاعل أي أنه مخبر عن الله تعالى بواسطة الملك. والنبوة خاصة بالبشر فليس في الملائكة ولا في الجن نبي، وأما الرسالة فليست خاصة بالبشر قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ﴾ [سورة الحج/75]. الفرق بين الرسول والنبي: الرسول من البشر هو النبي الذي أوحي إليه بشرع يشتمل على حكم جديد لم يكن في شرع الرسول الذي قبله كسيدنا محمد وعيسى وموسى فإن هؤلاء كل واحد منهم أنزل عليه حكم جديد. فموسى عليه السلام أنزل عليه قتل القاتل من دون أن يترك القاتل بالمصالحة على الدية ولا بالعفو المجاني، وعيسى أنزل عليه حكم جديد وهو الدية فقط، ومحمد أنزل عليه القصاص والعفو على الدية والعفو المجاني وشبهُ ذلك، هذا في القتل العمد، وكذلك الصلوات ما كانت تصلى في شرع من قبل محمد إلا في مكان مخصوص، وأنزل الله على محمد أن الأرض جعلت مسجدًا أي تصح الصلاة في المكان المخصوص وغيره، وأما النبي غير الرسول فهو من أوحي إليه باتباع شرع الرسول الذي كان قبله وأمر بتبليغ ذلك، ولم يوحَ إليه بشرع جديد، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا.
النبوة غير مكتسبة، فهي غير متعلقة بكسب للنبي كما يقول تبارك وتعالى: ﴿يُؤْتي الحِكمَة مَنْ يَشاءُ﴾ [سورة البقرة/269] أي النبوة والرسالة فلا تنال بالعمل والاجتهاد في العبادة وحسن الخلق إنما تنال باصطفاء الله وموهبته. ثم إن الله ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو أخر الأنبياء وأمته أخر أمة أرسل إليها رسول.
والرسول لا بدّ أن يكون أكمل من المرسلِ إليهم عقلا وفضلا وفطنة ومعرفة وصلاحا وعفة وشجاعة وسخاوة وزهدًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى أدَمَ وَنُوحًا وَألَ إِبْرَاهِيمَ وَألَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [سورة أل عمران/33].
ولا يجوز أن يكون الرسول امرأة، ولا أن يكون عبدًا مملوكًا، ولا أن يكون ناقص الحسّ لأجل الحاجة إلى كمال الحواس في أداء الرسالة وما يتعلق بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بعث الله نبيًّا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وإن نبيّكم أحسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا” رواه الترمذي.