إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

ورد قرءانًا وصف الله بأنه مستوٍ على العرش، فيجب الإيمان بذلك بلا كيف، فليس بمعنى الجلوس أو الاستقرار أو المحاذاة للعرش، لأن ذلك كَيْفٌ، والله منـزه عن الاستواء بالكيف، لأنه من صفات الأجسام، بل نقول استوى على العرش استواء يليق به هو أعلم بذلك الاستواء، وهذا موافق ومنسجم مع الآية المحكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ).
 
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء (ءامنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك) ذكره الإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد والعز بن عبد السلام في حل الرموز والشيخ تقي الدين الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد والشيخ علوان ابن السيد عطية الحسيني الحموي في كتابه بيان المعاني والرملي في فتاويه والنفراوي في الفواكه الدواني والشيخ محمد بن سليمان الحلبي في نخبة اللآلى وغيرهم.
وقال أيضا (ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) ذكره المحدث الحافظ عبد الله الهرري في كتابه الصراط المستقيم والشيخ الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد وغيرهما كثير، ومعناه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية والجسمية التي لا تجوز في حق الله تعالى.
ولما سئل عن صفات الله تعالى قال (حرام على العقول أن تمثل الله تعالى وعلى الأوهام أن تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط إلا ما وصف به نفسه (أي الله) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم) ذكره الشيخ ابن جهبل في رسالته في نفي الجهة عن الله التي رد فيها على المجسم ابن تيمية.
 
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه أيضا جامعا جميع ما قيل في التوحيد (من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه، وإن اطمأنّ إلى العدم الصرف فهو معطل، وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد) ذكر ذلك عنه الإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد، والإمام بدر الدين الزركشي (794 هـ) في تشنيف المسامع، والحافظ ولي الدين أبو زرعة العراقي في الغيث الهامع، وملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر، ومحمد بن أحمد بن محمد المالكي الشهير بميارة (1072 هـ)، في الدر الثمين وغيرهم.
 
قلت: ما أدقها من عبارة وما أوسع معناها شفى فيها صدور قوم مؤمنين، فرضي الله عنه وجزاه عنّا وعن الإسلام خيرا وقد أخذها من قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) (سورة الشورى)، ومن قوله عز وجل (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ) (سورة النحل) ومن قوله تعالى (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (سورة مريم)، ومن قوله تعالى (أَفِي اللّهِ شَكٌّ) (سورة إبراهيم) وكل هذا يدل على أن الإمام الشافعي رضي الله عنه على تنزيه الله عما يخطر في الأذهان من معاني الجسمية وصفاتها كالجلوس والتحيز في جهة وفي مكان والحركة والسكون ونحو ذلك.
 
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه أيضا ما نصه (إنه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صفاته).
 
وروى الحافظ السيوطي في الأشباه والنظائر أن الإمام الشافعي كفّر المجسم.
 
وقال الشيخ الإمام أقضى القضاة نجم الدين ابن الرفعة في كتابه كفاية النبيه في شرح التنبيه في قول الشيخ أبي إسحاق رضي الله عنه في باب صفة الأئمة (ولا تجوز الصلاة خلف كافر لأنه لا صلاة له فكيف يقتدى به وهذا ينظم مَن كفرُهُ مجمعٌ عليه ومن كفَّرناهُ من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنّه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لم يؤمن بالقدر وكذا من يعتقد أن الله جالسٌ على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي) وذكره كذلك الشيخ الإمام المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي.
 
وأما ما ترويه المشبهة عن الشافعي مما هو خلاف العقيدة السنية ففي سنده أمثال العشارى وابن كادش.
 
أما ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله (526 هـ) من أصحاب العشارى اعترف بالوضع، راجع الميزان وحكم مثله عند أهل النقد معروف، وأما العشارى فهو أبو طالب محمد بن علي العشارى (452 هـ) مغفَّل وقد راجت عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا وكلّ ذلك باعتراف الذهبي نفسه في الميزان وغيره، وكذلك ما ينسب للشافعي وصية الشافعي فهو رواية أبي الحسن الهكاري المعروف بوضعه كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل، فليحذر تمويهات المجسمة فإن هذا دأبهم ذكر ما يوافق هواهم وإن كان كذبا وباطلا.