إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

صَوْمُ رَمَضَانَ فَرِيْضَةٌ
 
يَثْبُتُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ لِلهِلاَلِ أَو جَمَاعَةٍ مُسْتَفِيْضَةٍ وَكَذَلِكَ الفِطْرُ، وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ في أَوَّلِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ البَيَاتُ في بَقِيَّتِهِ وَيُتِمُّ الصِّيَامَ إِلى اللَّيْلِ وَمِنَ السُّنَّةِ تَعْجِيْلُ الفِطْرِ وَتَأْخِيْرُ السُّحُوْرِ.
وَحَيْثُ ثَبَتَ الشَّهْرُ قَبْلَ الفَجْرِ وَجَبَ الصَّوْمُ وَإِنْ لَم يَثْبُتْ إِلاَّ بَعْدَ الفَجْرِ وَجَبَ الإِمْسَاكُ وَلاَ بُدَّ مِن قَضَاءِ ذَلِكَ اليَوْمِ وَالنِّيَّةُ قَبْلَ ثُبُوْتِ الشَّهْرِ بَاطِلَةٌ حَتى لَوْ نَوَى قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ أَصْبَحَ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ اليَوْمَ مِن رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ وَيُمْسِكُ عَن الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فيهِ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ وَيَقْضِيْهِ.
وَلاَ يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ لِيَحْتَاطَ بِهِ مِن رَمَضَانَ وَيَجُوْزُ صِيَامُهُ لِلتَّطَوِّعِ وَالنَّذْرِ إِذَا صَادَفَ وَيُسْتَحَبُّ الإِمْسَاكُ في أَوَّلِهِ لِيَتَحَقَّقَ النَّاسُ الرُّؤْيَةَ فَإِن ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَلَم تَظْهَرْ رُؤْيَةٌ أَفْطَرَ النَّاسُ.
وَلاَ يُفْطِرُ مَن ذَرَعَهُ قَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُعَالِجَ خُرُوْجَهُ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَلاَ يُفْطِرُ مَن احْتَلَمَ وَلاَ مَن احْتَجَمَ وَتُكْرَهُ الحِجَامَةُ للمَرِيْضِ خِيْفَةَ التَّغْرِيْرِ.
وَمِن شُرُوْطِ صِحَّة الصَّوْم ِالنِّيَّةُ السَّابِقَةُ للفَجْرِ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَفْلاً وَالنِّيَّةُ الوَاحِدَةُ كَافِيَةٌ في كُلِّ صَوْمٍ يَجِبُ تَتَابُعُهُ كَصِيَامِ رَمَضَانَ وَصِيَامِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالقَتْلِ وَالنَّذْرِ الذِي أَوْجَبَهُ المُكَلَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا الصِّيَامُ المَسْرُوْدُ وَاليَوْمُ المُعَيَّنُ فَلاَ بُدَّ مِن التَّبْيِيْتِ فِيْهِ كُلَّ لَيْلَةٍ.
وَمِن شُرُوْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ النَّقَاءُ مِن دَمِ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِن انْقَطَعَ دَمُ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ قَبْلَ الفَجْرِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا صَوْمُ ذَلكَ اليَوْمِ وَلَو لَم تَغْتَسِلْ إِلاَّ بَعْدَ الفَجْرِ وَتُعَادُ النِّيَّةُ إِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ بِالمَرَضِ وَالحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَمِن شُرُوِط صِحَّةِ الصَّوْمِ العَقْلُ فَمَن لاَ عَقْلَ لَهُ كَالمَجْنُوْنِ وَالمُغْمَى عَلَيْهِ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ في تِلكَ الحَالَةِ وَيَجِبُ عَلَى المَجْنُوْنِ إِذَا عَادَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ سِنِيْنَ كَثِيْرَةٍ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِن الصَّوْمِ في حَالِ جُنُوْنِهِ  وَمِثْلُهُ المُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَ.
وَمِن شُرُوْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ تَرْكُ الجِمَاعِ وَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَمَن فَعَلَ في نَهَارِ رَمَضَانَ شَيْئًا مِن ذَلكَ مُتَعَمِّدًا مِن غَيْرِ تَأْوِيْلٍ قَرِيْبٍ وَلاَ جَهْلٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَالكَفَّارَةُ وَالكَفَّارَةُ في ذَلِكَ كُلِّهِ إِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِيْنًا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِيْنٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَفْضَلُ وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أَوْ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
وَمَا وَصَلَ مِن غَيْرِ الفَمِ إِلى الحَلْقِ مِن أُذُنٍ أَوْ أَنْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَخُوْرًا فَعَلَيْهِ القَضَاءُ فَقَطْ وَمِثْلُهُ البَلْغَمُ المِمْكِنُ طَرْحُهُ وَالغَالِبُ مِن المَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاق.
وَكُلِّ مَا وَصَلَ إِلى الْمَعِدَةِ وَلَوْ بِالحُقْنَةِ المَائِعَةِ وَكَذَا مَن أَكَلَ بَعْدَ شَكِّهِ في الفَجْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ في جَمِيْعِ ذَلكَ كُلِّهِ إِلاَّ القَضَاءُ.
وَلاَ يَلْزَمُهُ القَضَاءُ في غَالِبٍ مِن ذُبَابٍ أَوْ غُبَارِ طَرِيْقٍ أَوْ دَقِيْقٍ أَوْ كَيْلِ جِبْسٍ لِصَانِعِهِ وَلاَ في حُقْنَةٍ مِن إِحْلِيْلٍ وَلاَ في دُهْنِ جَائِفَةٍ.
وَيَجُوْزُ لِلصَّائِمِ السِّوَاكُ جَمِيْعَ نَهَارِهِ وَالمَضْمَضَةُ للعَطَشِ وَالإِصْبَاحُ بِالجَنَابَةِ وَالحَامِلُ إِذَا خَافَتْ عَلَى مَا في بَطْنِهَا أَفْطَرَتْ وَلَمْ تُطْعِمْ وَقَدْ قِيْلَ تُطْعمُ وَالمُرْضِعُ إِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَلَمْ تَجِدْ مَن تَسْتَأْجِرُهُ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَفْطَرَتْ وَأَطْعَمَتْ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ الهَرِمُ يُطْعِمُ إِذَا أَفْطَرَ (1) وَمِثْلُهُ مَن فَرَّطَ في قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانٌ آخَرَ وَالإِطْعَامُ في هَذَا كُلِّهِ مُدٌّ عَن كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيْهِ.
 
وَيُسْتَحَبُّ للصَّائِمِ كَفُّ لِسَانِهِ وَتَعْجِيْلُ قَضَاءِ مَا في ذِمَّتِهِ مِن الصَّوْمِ وَتَتَابُعُهُ وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الحَاجِّ وعاشوراء وَصَوْمُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تَكُوْنَ البِيْضُ لِفِرَارِهِ مِن التَّحْدِيْدِ وَكَذَا كَرِهَ صِيَامَ سِتَّةٍ مِن شَوَّالٍ مَخَافَةَ أَنْ يُلْحِقَهَا الجَاهِلُ بِرَمَضَانَ.
وَيُكْرَهُ ذَوْقُ المِلْحِ للصَّائِمِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَمَجَّهُ وَلَمْ يَصِلْ إِلى حَلْقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَمُقَدِّمَاتُ الجِمَاعِ مَكْرُوْهَةٌ للصَّائِمِ كَالقُبْلَةِ وَالجَسَّةِ وَالنَّظَرِ المُسْتَدَامِ وَالْمُلاَعَبَةِ إِنْ عُلِمَت السَّلاَمَةُ مِن ذَلِكَ وَإِلاَّ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ  لَكِنَّهُ إِنْ أَمْذَى مِن ذَلِكَ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ فَقَطْ وَإِنْ أَمْنَى فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَالكَفَّارَةُ.
وَقِيَامُ رَمَضَانَ مُسْتَحَبٌّ مُرَغَّبٌ فِيْهِ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيْمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) وَيُسْتَحَبُّ الاِنْفِرَادُ بِهِ إِن لَمْ تُعَطَّل المَسَاجِدُ.
 
(1) الْكَبِيرُ لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ كَالْْمَرِيضِ وَلا فِدْيَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ
 
وَاللهُ أَعْلَمُ.