إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال وليّ الله الشيخ الإمام عبد السلام بن مشيش المالكي صاحب العلوم اللدنيَّة والمعارف الرَّبانية (تعالى الله عن الحدوث وعن الأماكن والجهات وعن الصحبة والقرب بالمسافة، كان الله ولا شىء معه وهو الآن على ما عليه كان). اهـ
وهو سيدنا ومولانا عبد السلام بن مشيش، بالميم وقيل بالباء، ينتهي نسبه إلى إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو صاحب العلوم اللدنيَّة والمعارف الرَّبانية، الجامع بين علم الشريعة والحقيقة، وطريقته ترياقٌ شافٍ لأدواء العباد، وذكره رحمةٌ نازلةٌ فى كلِّ ناد، سرى سرُّه فى الآفاق، وسارت بمناقبه الرُّكبان والرفاق، قضى عمره فى العبادة وقصده للانتفاع به أهل السعادة، كان علاوةً على علو همَّتِهِ وحالهِ عالـمـًا فاضلاً جليل القدر، متحمِّسا للدين عاملا على نشر فضائله، من زاره على عقيدة سليمة لا يعذب في قبره ولا يأكل الدود جسده، يقال إنه سمع القرءان فوصل إلى أنه غاب بالوجد، ثم لما صحا قال اللهم لا توصل إلينا من كتبت عليه الشقاوة، لهذا يقال إن من زاره وكان على الإيمان يكون من أهل السعادة، وهو من أولاد إدريس، شيخه عبد الرحمن المدني نزيل المدينة وشيخ الغوث بومدين المدفون في تلمسان الجزائر.
ولد رضي الله عنه في أوائل النصف الثاني من القرن السادس الهجري في المغرب الأقصى بمحلة جبل العلم بالقرب من مدينة تطوان، أما تاريخ ولادته، فقد قيل (سنة 559 هـ وقيل سنة 563 هـ) تزوّج من ابنة عمه يونس وأنجب منها أربعة ذكور هم محمد وأحمد وعلي وعبد الصمد وبنتا سماها فاطمة.
قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في كتابه تاج العروس، باب ش ذ ل (وذكَرَ القَشَّاشِيُّ في السِّمْطِ الـمَجِيدِ أن سيدي عبد السلام أخذ عن أبي مدين من غير واسطة، قال أبو سالِم العَيَّاشِيُّ والتاريخ يقبله). اهـ
واعلم أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تتضمن تنـزيه الله عن المكان والجهة، وقد استدل بها العلماء لتقرير هذه العقيدة السُّنيّة، نذكر منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان الله ولم يكن شىءٌ غيره) رواه البخاري والبيهقي، ومعناه أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيرُه لا ماءٌ ولا هواءٌ ولا أرضٌ ولا سماءٌ ولا كرسيٌّ ولا عرشٌ ولا إنسٌ ولا جنٌّ ولا ملائكةٌ ولا زمانٌ ولا مكانٌ، فهو تعالى موجودٌ قبل المكان بلا مكان، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه.
والله تعالى لا يوصف بالتغيّر من حالة إلى أخرى لأن التغيّر من صفات المخلوقين، فلا يقال كما تقول المشبّهة إن الله كان في الأزل ولا مكان ثم بعد أن خلق المكان صار هو في مكان وجهة فوق والعياذ بالله تعالى.