إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
تعريف أهل السنة والجماعة
ليعلم أن أهل السنة هم جمهور الأمة المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في المعتقد أي أصول الاعتقاد، وهي الأمور الستة المذكورة في حديث جبريل الذي قال فيه الرسول (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)، وأفضل هؤلاء أهل القرون الثلاثة المرادون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) والقرن معناه مائة سنة كما رجح ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر وغيره، وهم المرادون أيضًا بحديث الترمذي وغيره (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وفيه قوله (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فمن أراد بُحبُوحة الجنة فليلزم الجماعةَ) صححه الحاكم وقال الترمذي حسن صحيح، وهم المرادون أيضًا بالجماعة الواردة فيما رواه أبو داود من حديث معاوية (وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة)، والجماعة هم السواد الأعظم ليس معناه صلاة الجماعة، كما يوضح ذلك حديث زيد بن ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (ثلاث لا يُغَل عليهن قلب المؤمن إخلاص العمل، والنصيحة لوليّ الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من وراءَهم)، قال الحافظ ابن حجر حديث حسن.
ثم حَدَثَ بعد مائتين وستين سنة انتشار بدعة المعتزلة وغيرهم فقيَّضَ الله تعالى إمامين جليلين أبا الحسن الأشعري وأبا منصور الماتريدي رضي الله عنهما فقاما بإيضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإيراد أدلة نقلية وعقلية مع رد شبه المعتزلة وهم فرق عديدة بلغ عددهم عشرين فرقة، فقاما بالرد على كل هذه الفرق أَتَم القيام برد شبههم وإبطالها فنُسب إليهما أهل السنة، فصار يقال لأهل السنة أشعريون وماتريديون، فيجب الاعتناء بمعرفة عقيدة الفرقة الناجية الذين هم السواد الأعظم، وأفضل العلوم علم العقيدة لأنه يبين أصل العقيدة التي هي أصل الدين، وهذا العلم سماه أبو حنيفة الفقه الأكبر.
فيا طلاب الحق لا يُهَوِّلَنَّكُم قدح المشبهة المجسمة في هذا العلم بقولهم إنه علم الكلام المذموم لدى السلف، ولم يدروا أن علم الكلام المذموم هو ما ألفه المعتزلة على اختلاف فرقهم والمشبهة على اختلاف فرقهم من كرَّامِيَّةٍ وغيرها فإنهم قد افترقوا إلى عدة فرق بيّنها من ألفوا في بيان الفرق كالإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي.
ففي جامعِ الترمذيِّ وصحيحِ ابنِ حبانَ وغيرِهِما من طريقِ سُليمانَ بنِ يسارٍ ومن طريقِ عبدِ اللهِ بن عمرَ ومِن طريقِ عمرِو بنِ دينارٍ قالوا قامَ فينا عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنهُ بالـجابيةِ فقالَ قامَ فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ (أوصيكُم بأصحابي ثمَّ الذينَ يَلونَهُم ثمَّ الذينَ يلونَـهم ألا لا يَـخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كانَ الشّيطانُ ثالِثَهُما وعليكُم بالجماعةِ وإيَّاكُم والفُرقةَ فإنَّ الشّيطانَ معَ الواحدِ وهُوَ مِنَ الاثنينِ أبعدُ فمَن أرادَ بُـحبوحةَ الجنّةِ فلْيَلْزَمِ الـجماعةَ ومَن سرَّتْهُ حسنَتُهُ وساءَتْهُ سيِّئَتُهُ فذَلِكُمُ الـمؤمنُ) قال الترمذيُّ رحـمهُ اللهُ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
هذا الـحديثُ فيهِ بيانُ أمورٍ مهمةٍ الأولُ أهـميةُ اتِّباعِ الصحابةِ لأنَّهُم هُم الذينَ نقلوا الدّينَ إلى مَنْ بعدَهُم ولولاهُم ما عرَفنا ما هُوَ دينُ اللهِ وهُم الذينَ نقلوا إلينا القرءانَ وهمُ الذينَ شهِدُوا الوحيَ والتّنزيلَ.
الأمرُ الثّاني تـحريـمُ خلوةِ الرّجلِ بامرأةٍ أجنبيةٍ أي تـحريـمُ أنْ ينفَرِدَ الرّجلُ الواحدُ بالـمرأةِ الواحِدَةِ إذا لـم يكُنْ بينَهُما مَـحْرَمِيَّةٌ في مكانٍ لا يراهُـما فيهِ غيرُهُـما، بيَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سببَ تـحريـمِ ذلك بقولِهِ (إلا كانَ الشّيطانُ ثالثَهُما) فإنَّ أكثرَ وسيلةٍ للزنا هوَ الخَلوةُ، عندما يَـخْتَلِي رجلٌ بامرأةٍ يقوَى عليهِ الشّيطانُ ليَجُرَّهُ إلى الزّنا أيْ يَسْهُلُ على الشّيطانِ جَرُّ الناسِ إلى الزّنا في الخَلوةِ ما لا يسهلُ عليهِ في غيرِ حالِ الخلوةِ.
وقالَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ في حديثِهِ هذا (وعليكُم بالجماعةِ وإيّاكُم والفُرقة فإنَّ الشّيطانَ معَ الواحدِ وهو مِنَ الاثنينِ أبعَد) هذا أَمرٌ منهُ صلَّى اللهُ عليه وسلم لأمّتِهِ بالتَّمَسُّكِ بعقيدةِ أهلِ السّنةِ والـجماعةِ التي علَّمَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم صحابَتَهُ ثـمَّ هُم علَّمُوها مَنْ بَعْدَهُم ثمَّ أولئكَ أيضًا علَّمُوها مَنْ بعدَهُم حتّى وَصْلَت إلى هذا الزّمنِ الذي نَحنُ فيهِ، ولا يزالُ هذا الاعتقادُ الذي كانَ عليهِ الصحابةُ بينَ جـمهورِ الأمّةِ الـمُحمَّديّةِ، جـمهورُ الأمّةِ الـمُحمّديّةِ منَ الصّدرِ الأوّلِ إلى هذا الوقتِ على هذا الـمُعتَقدِ على تلكَ العقيدةِ، فالرّسولُ أوصَى أمَّتَهُ بأنْ لا يَشِذُّوا عن تلكَ العقيدةِ، وللهِ الحمدُ إلى يومِنا هذا جـمهُورُ الأمّةِ الـمُحمّديّةِ أيْ معظمُهُم أكثرُهُم على هذهِ العقيدةِ التي أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالتِزامِها وعدمِ الشُّذوذِ عنهَا، الآنَ لو تَـجوَّلَ إنسانٌ في بلادِ الـمسلمينَ في الشّرقِ والغربِ والشَّمالِ والجنوبِ يَـجِدُ علماءَهُم على عقيدةٍ واحدةٍ، هذهِ أندَنُوسية مائةٌ وسبعونَ مليونًا (1) علماؤُهم كلُّهُم على عقيدةِ أهلِ السّنةِ العقيدةِ الأشعريةِ التي هي عقيدة الصحابة، إنما سـُمِّيَتْ الأشعريّةُ لأنَّ الإمامَ أبا الـحسنِ الأشعريِّ قرَّرَ هذهِ العقيدةَ بالأدلةِ القرءانيةِ والحديثيةِ وبالأدلّةِ العقليّةِ لأنهُ كَثُرَ في ذلكَ الزمنِ أناسٌ شذُّوا عن تلكَ العقيدةِ فانتَدَبَ هذا الإمامُ العظيمُ رحمهُ اللهُ للمكافحةِ والدّفاعِ عن عقيدةِ أهلِ السّنةِ ببيانِ أدلَّتِهِم مِن حيثُ النّقلُ ومن حيثُ العقلُ فسُمِّيَت هذهِ العقيدةُ التـي هيَ عقيدةُ الصحابةِ ومَنْ تبِعَهُم إلى عصرِ الإمامِ أبي الحسنِ الأشعريِّ العقيدةَ الأشعريّةَ فصارَ مَنْ بقيَ على عقيدةِ الصحابةِ يُسمَّى أشعريًّا ولـم يأتِ هوَ بأصلٍ في العقيدةِ يُـخالفُ ما كانَ عليهِ الصحابةُ وإنَّـما هوَ توسَّعَ ببيانِ الأدلّةِ لإخْـمادِ ضلالاتِ أولئكَ الـمُعتزلةِ والـخوارجِ والـمُشبهةِ والدّهريّةِ والطّبائعيينَ وغيرهم منَ الكَفَرةِ، أدحضَ شُبَهَهُم التي هُم يّـحتجُّونَ بـها وبيَّنَ أنَّـها زائفةٌ ليسَت في شىءٍ، اللهُ تعالى أعطاهُ قوةً في البيانِ وقوةً في العقلِ حتى كَسَرَ أولئكَ الشاذِّينَ منَ الـمُعتزلةِ والـمُشبِّهةِ والخوارجِ وغيرِهِم، واليومَ هيَ العقيدةُ التي عليها مئاتُ الـملايينِ منَ الـمسلمينَ، علماءُ أندَنوسية ومصرَ وبَرِّ الشامِ كلِّهِ واليمنِ والعراقِ وتُركيا وأفغانستانَ والهندِ والسّندِ وإفريقْيَة والحبشةِ والصومالِ وجنوبِ إفريقيةَ كلِّهِم على هذهِ العقيدةِ التي تُسمَّى اليومَ الأشعريّةَ (2) وهي عقيدةُ الصّحابةِ والتّابعينَ وأتباعِ التّابعينَ إلى أنْ وصلَتْ إلى عصرِ سيّدنا أبي الحسنِ الأشعريّ ثمَّ استمرَّت وثبتَت بينَ جُـمهورِ الأمةِ الـمحمَّديّةِ إلى يومِنا هذا، وهذهِ العقيدةُ هي إثباتُ وجودِ اللهِ تعالى الذي لـم يَسْبِقْهُ عدَمٌ وأنَّ كلَّ شيءٍ سوى اللهِ كانَ معدُومًا ثمَّ صارَ موجودًا، مادّةُ العالَـمِ وأشخاصُهُ كلُّ ذلكَ حادِثٌ ليسَ شيءٌ مِن ذلكَ قديـمًا معَ الله تعالى، في الأزلِ لـم يكُن سوى اللهِ تعالى لا نورٌ ولا ظلامٌ ولا مكانٌ ولا زمانٌ لأنَّ الزّمانَ هوَ مقارنةُ شىءٍ مُتجدِّدٍ بِـمُتَجَدِّدٍ ءاخرَ واللهُ تباركَ وتعالى لـم يَسْبقْهُ عدمٌ أما ما سواهُ كلٌّ كانَ مَعدومًا فالزّمانُ والمكانُ حادِثانِ لـم يكونا في الأزلِ وكذلكَ النّورُ والظلامُ والهواءُ، هذا مِنْ جُـملةِ عقيدةِ أهلِ السّنةِ والجماعةِ.
والأمرُ الثاني أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لا يُشبِهُ شيئًا لأنهُ لو كانَ يُشبهُ شيئًا منَ العالَـمِ لـم يكُن خالِقًا للعالـم وأنَّ كلَّ شىء يتحوَّلُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ حادثٌ وهذا دليلٌ أنَّ العالَـمَ حادثٌ لـم يكُن ثـمَّ كانَ، إبراهيمُ عليهِ السلامُ لـمَّا زيَّفَ عقيدةَ أهلِ بلدِهِ وكانَ هُوَ ببابِلَ بأرضِ العراقِ وُلِدَ هُناكَ وكانَ أهلُهُ وغيرُهُم منَ البشرِ في ذلكَ الزّمنِ كلُّهم على الكفرِ إلا ابنَ أخيهِ لوطًا عليهِ السلامُ وزوجَتَهُ (3) سارة فكانا مُسلِمَينِ ومَنْ سِواهُم منَ البشرِ كانوا كُفّارًا كانوا يعبُدونَ الكوكبَ والشّمسَ والقمرَ، احتجَّ إبراهيمُ واستدلَّ على بُطلانِ عبادةِ هؤلاءِ الشّمسِ والقمرِ والكوكبِ بأنَّـهُم يتحوَّلونَ من حالٍ إلى حالٍ أيْ أنَّكُم يا قومُ تعبُدونَ شيئًا يتحوَّلُ من حالٍ إلى حالٍ، الشّمسُ تتحوَّلُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ والقمرُ يتحوّلُ من حالٍ إلى حالٍ والكوكبُ كذلكَ، كيفَ يَصلُحُ هؤلاءِ أنْ يكونوا معبودينَ إنـما الـمعبودُ الحقُّ هوَ الذي يُحوِّلُ هؤلاءِ مِنْ حالٍ إلى حالٍ لأنهُ لا يـجوزُ في العقلِ أن يكونوا هُم خَلقوا أنفُسَهُم ولا أن يكونوا هُم يُـحَوِّلونَ أنفُسَهُم من حالٍ إلى حالٍ، فبيَّنَ بـهذا أنَّ الإلهَ لا يتحوّلُ من حالٍ إلى حال لأنهُ لو كانَ كذلكَ لاحتاجَ إلى مَنْ يُـحوِّلهُ، لو كانَ يُشبِهِ العالَـمَ بوجهٍ منَ الوجوهِ لكانَ مثلَ المخلوقاتِ ولاحْتَاجَ إلى خالقٍ أوْجَدَهُ، كذلكَ عقيدةُ أهلِ السنةِ تنزيهُ اللهِ تباركَ وتعالى عنِ الـمكانِ وعنِ الجهةِ وعن كلّ صفاتِ العالـمِ الحركةِ والسكونِ إلى غير ذلكَ.
هؤلاءِ أهلُ السنةِ يرَونَ القرءانَ على وجهَينِ، يرونَ أنَّ قِسمًا منهُ يُـحمَلُ على ظاهرِهِ وأنَّ قسمًا منَ القرءانِ لا يُـحمَلُ على ظاهرِهِ، بل يُـحمَلُ على معانٍ تليقُ باللهِ تعالى ليسَت من أوصافِ الخلقِ.
الإمامُ أحـمدُ بنُ حنبلٍ رضيَ اللهُ عنهُ ما حَـمَلَ قولَهُ تعالى في سورةِ الفجرِ ﴿كلَّا إذا دُكَّتِ الأرضُ دكًّا دَكًّا * وجاءَ ربُّكَ والمَلَكُ صفًّا صفًّا﴾ على أنَّ هذا مَـجيء حِسِّيٌّ لذاتِ اللهِ تعالى بـحركةٍ وانتقالٍ إنَّـما فسّرَ قولَ اللهِ تعالى في سورةِ الفجر ﴿وجاءَ ربُّكَ﴾ بقولهِ جاءَتْ قُدرَتُهُ (4)، ومرةً قالَ جاءَ أمرُهُ (5)، ولو كانَ مَـجيء اللهِ تعالى بالحركةِ والانتقالِ لو كانَ يجوزُ على الله الحركة والسكون والانتقالُ من فوق إلى سُفلٍ كما يـجوزُ على الـملائكةِ ما قالَ الإمامُ أحمدُ ﴿وجاءَ ربُّكَ﴾ أي جاءَتْ قُدرَتُهُ ما كانَ قالَ جاءَ أمرُهُ، ذلكَ اليوم الملائكةُ يَنزِلونَ مِن فوقٍ إلى تحتٍ بكثرةٍ، مـجيءُ الـملائكةِ بالـحركةِ لأنـهم خَلقٌ مِن خلقِ اللهِ كالبشرِ فيهم صفاتُ الـخلقِ الـحركةُ والسكونُ والانتقالُ من عُلوٍّ إلى سُفلٍ ثـمَّ الصعودُ مِنْ سُفْلٍ إلى فوقٍ هذا شىء يـجوزُ عليهم، لكنْ لِماذا لـم يتركِ الإمامُ أحمدُ الآيةَ على ظاهِرِها لِماذا ما قالَ الـمَجيءُ معروفٌ اللهُ يَـجيءُ والملائكةُ يَـجيئون، لِماذا لـم يَـحْمِلِ الآيةَ على ظاهِرِها بلْ هَرَبَ (6) من هذا إلى تأويلِها بـمجيء القدرةِ ومَـجيءِ أمرِهِ، لِماذا؟ لأنهُ يعتقدُ أنَّ عقيدةَ أهلِ السنةِ عقيدةَ أهلِ الحقِّ التي نقلَها الصحابةُ عنِ الرّسولِ هيَ تنزيهُ اللهِ عنِ الحركةِ والسكونِ.
فإنْ قالَ وهابيٌّ كيفَ يكونُ اللهُ مُنزَّهًا عنِ الحركةِ والسكونِ، واللهُ حيٌّ والحيُّ لا بُدَّ أن يتحركَ إذًا اللهُ لا بُدَّ أن يتحركَ، قُلنا هذا كلامٌ سخيفٌ بلْ هُوَ كفرٌ فليسَ في العقلِ ولا في الشرعِ ما يقضي بأنَّ الحيَّ لا بدَّ أن يكونَ مُتحرِّكًا، هم يقولونَ الإمامُ أحمدُ إمامُنا وهُم كاذِبونَ، هم يقولونَ اللهُ ينتَقِلُ يومَ القيامةِ من فوقٍ إلى تـحتٍ وأحمدُ يقولُ تـجيءُ قُدرَتُهُ.
ثمَّ عقلُ البشرِ لا يستطيعُ أن يتصوَّرَ موجودًا ليسَ مُتحرِّكًا ولا ساكنًا لكنْ لا بدَّ أن يعتقدَ ذلكَ كما أنهُ منَ المخلوقاتِ شىء موجودٌ لا نستطيعُ أنْ نتصوَّرهُ ما هوَ، قبلَ أن يُـخلَقَ النورُ والظلامُ عقلُ الإنسانِ مَهما حاوَلَ أن يتصورَ وقتًا لـم يكنْ فيهِ نورٌ ولا ظلامٌ يعجِزُ لكنِ اعتقادُ هذا واجبٌ لأنَّ القرءانَ أثبتَ ذلكَ، اللهُ تعالى قالَ في سورةِ الأنعامِ ﴿وجَعلَ الظُّلُماتِ والنُّورِ﴾ أيْ خلقَ الظلماتِ والنورَ أيْ لـم يكونا موجودَينِ ثمَّ اللهُ تعالى أوجَدَهُما بعدَ أن كانا معدومَينِ وكانَ قبلَهما الـماءُ الذي هُوَ أولُ المخلوقاتِ قبلَ أن تُـخلقَ الظُّلمةُ والنّورُ.
على هذا يجبُ أن يَثبُتَ الإنسانُ أيْ على اعتقادِ أنَّ اللهَ تعالى موجودٌ ليسَ مُتحرِّكًا ولا ثابِتًا موجودٌ مِنْ غيرِ أن يكونَ مُتحرِّكًا أو ساكنًا أو مُتحيزًا في مكانٍ أو في جميعِ الأمكنةِ أو في جميعِ الجِهاتِ أو في جهةٍ منَ الجهاتِ فوقٍ وتحتٍ ويمينٍ وشِـمالٍ وأمامٍ وخلفٍ وإنْ كنّا لا نستطيعُ أنْ نتصوَّرَ هذا الـموجودَ بالتمثيلِ في القلبِ والتشكيلِ، لذلكَ قالَ أئمةُ أهلِ السنةِ الإمامُ أحمدُ والإمامُ ذو النونِ المصريُّ وكانا (7) في الـمائة الثانية من الهجرةِ قالا (مهما تصورتَ ببالكَ فاللهُ بـخلافِ ذلكَ) (8) معناهُ إنْ تصوَّرْتَ اللهَ ضوءًا فهوَ ليسَ ضوءًا وإنْ تصوَّرتَهُ ظلامًا فهوَ ليسَ ظلامًا وإنْ تصوَّرْتَهُ ساكِنًا فهوَ ليسَ ساكنًا وإنْ تصوَّرتَهُ كميةً كبيرةً ضخمةً أكبرَ منَ العرشِ فهوَ ليسَ كذلكَ وإنْ تصوَّرتَهُ كميةً صغيرةً فهوَ ليسَ كذلكَ، ينبغِي أن يُفهمَ هذا حتى يَعِيشَ الإنسانُ على عقيدةِ أهل السنةِ التي تُوافقُ العقلَ والقرءانَ الكريـمَ.
القرءانُ الكريمُ دلَّ على أنَّ كلَّ ما كانَ من صفاتِ الخلقِ فهوَ لا يـجوزُ على اللهِ وهوَ قولُهُ تعالى في سورةِ الشورى ﴿ليسَ كمثلِهِ شىءٌ﴾، لو كانَ اللهُ في جهةٍ أو في مكانٍ من الأماكنِ لكانَ لهُ أمثالٌ، نـحنُ لنا أماكنُ وكذلكَ الكلبُ والـجنُّ والـخنزيرُ والـملائكةُ لهم أماكنُ وكذلكَ الشمسُ والقمرُ والنجومُ والكواكبُ مكانُها هذا الفضاءُ فلو كانَ اللهُ لهُ مكان لكانَ له أمثالٌ كثيرٌ لا يُـحصَونَ عددًا.
والحمد لله أوَّلا وءاخرًا وصلى الله على سيدنا محمد الأمين وءاله الطاهرين وصحابته الطيبين. والله تعالى أعلم.
1- هذا على حَسَبِ ما كانَ العددُ عند إعطاءِ الدرسِ.
2- ِوالمرادُ ما يشملُ الماتريديةَ أيضًا لأنه لا خلافَ في أمهات المسائلِ العقائديةِ بينَ الأشاعرة والـماتريدية وليس أهلُ السنةِ في أيامنا إلا هذينِ الفريقينِ.
3- أي زوجة إبراهيم عليه السلام.
4- رواه البيهقي في مناقب أحمد و ابن الجوزيّ في مناقب أحمد.
5- رواه الحافظ ابن الجوزي عنه في كتابه كشف الـمُشكِل من حديث الصحيحين.
6- أي تركَ الـحَملَ على الظاهرِ.
7- أي كان مولدُهُـما.
8- رواهُ عن الإمامِ ذي النون المصري ابنُ عساكر في تاريخ دمشقِ، ورواهُ عن الإمام أحمدَ بن حنبل أبو الفضل التميمي في كتابه اعتقاد الإمام المبجل أحمد بن حنبل.