إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

تكفير الإمام الطبري (المُتوفى سنة 310 هجري) لمن يعبد جسما
 
قال الإمام الطبري عند تفسير قوله تعالى (جَسَدًا لَهُ خُوَار) الأعراف 148 ما نصه (وَالْخُوَار صَوْت الْبَقَر، يُخْبِر جَلَّ ذِكْره عَنْهُمْ أَنَّهُمْ ضَلُّوا بِمَا لَا يَضِلّ بِمِثْلِهِ أَهْل الْعَقْل، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبّ جَلَّ جَلَاله الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمُدَبِّر ذَلِكَ لَا يَجُوز أَنْ يَكُون جَسَدًا لَهُ خُوَار لَا يُكَلِّم أَحَدًا وَلَا يُرْشِد إِلَى خَيْر، وَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قَصَصهمْ لِذَلِكَ هَذَا إِلَهنَا وَإِلَه مُوسَى فَعَكَفُوا عَلَيْهِ يَعْبُدُونَهُ جَهْلًا مِنْهُمْ وَذَهَابًا عَنْ اللَّه وَضَلَالًا). انتهى
 
والإمامُ محمَّد بنُ جَرير الطّبري توفّي بعدَ المائةِ الثالثةِ وهو كأبي جعفر الطّحاوي، وكُنيَتُه كأبي جَعفر أيضًا يقالُ له أبو جَعفر، والطّحَاوي اسمُه أحمدُ بن سلامة، أبو جعفر الطَّبَري كانَ مثلَ الشّافعِيّ ومَالِك، في الأوّل كانَ مَذهبُه شافعِيًّا ثم صارَ مجتَهِدًا وكانَ لهُ أتْباعٌ يَعمَلُونَ بـمَذهَبِه، ظَلَّ أُناسٌ في بعضِ البلادِ يَعمَلُونَ بـمَذهَبِه نحو مائتي سنة ثم اندَرَسَ مَذْهَبُه.
 
وقد قال الإمامُ الشَّافعيُّ رضيَ اللهُ عنه (مَنْ زَعَمَ أنَّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافرٌ) رَوَاهُ ابنُ المُعَلِّمِ القُرَشِيُّ في كتابهِ نَجمِ المهتدي ورَجْمِ المعتدي ص 551 وقال أيضًا (المُجَسِّمُ كافر) رَوَاهُ الحافظُ السُّيُوطِيُّ في كتابهِ الأشباهِ والنَّظائر ص 488.
 
وفي الجامع لمسائل المدونة للإمام الكبير أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي المالكي وهو من أصحاب الوجوه (المتوفى 451 هـ) كتاب المحاربين والمرتدين، الباب الخامس، جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات (قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان عند مالك جالساً فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال مسألة، فسكت عنه، ثم أعاد عليه، فرفع فيه رأسه كالمجيب له، فقال له السائل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف كان استواؤه؟ قال فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرئ سوء، أخرجوه).
وفي الباب السابع، باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات، فصل في الاستواء (قال القاضي رضي الله عنه وأنه سبحانه مستو على عرشه كما قال عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة).
واعلمْ أنَّ المسلمين اتفقوا على أنَّ اللهَ تعالى لا يحلُّ في مكان، ولا يحويه مكان ولا يسكن السّماء ولا يسكن العرش لأن اللهَ تعالى موجودٌ قبل العرشِ وقبل السّماءِ وقبل المكانِ، ويستحيلُ على اللهِ التّغيّر من حال إلى حال ومن صفة إلى صفة أخرى، فهو تبارك وتعالى كان موجودًا في الأزل بلا مكان وبعد أن خلق المكان لا يزال موجودًا بلا مكان.
 
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.