إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

جرت عادة المسلمين على الإحتفال بمولد حبيب الحق وخير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
 
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النِّعمةُ وله الفضلُ ولهُ الثَّناءُ الحسن صلواتُ اللهِ البَرِّ الرحيمِ والملائِكةِ المُقرَّبينَ على سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشرفِ المرسلينَ وحبيبِ ربِّ العالمينَ وعلى جميعِ إخوانِهِ منَ النَّبييّنَ والمُرسلينَ وءالِ كُلٍّ والصَّالحينَ سلامُ اللهِ عليهِمْ أجمعينَ أمّا بعدُ، يقول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم (لَقَد جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحيمٌ) التوبة 128.
 
تطل على المسلمين في الثاني عشر من ربيع الأول من كل سنة ذكرى عطرة طيبة، ألا وهي ذكرى مولد حبيب الحق وخير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جرت عادة المسلمين على الإحتفال بهذه المناسبة منذ القرن السادس الهجري حيث عمل الملك المظفر حاكم إربل احتفالاً عظيمًا أظهر فيه الفرح بهذه المناسبة فذبح ءالافًا من الغنم والدجاج وأطعم الفقراء، وقد أقره العلماء من فقهاء ومحدثين على ذلك وقبلوه واستحسنوه لأَنَّ ذلك ليس فيه مخالفة للشريعة، بل هذا مما يوافقها.
 
ولزيادة الفائدة نقول:
أهل السنة يحتفلون بمولد من أرسله الله رحمة للعالمين فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد التحريم فإن الاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين بقراءة شىء من القرءان وذكر شىء من الشمائل النبوية الشريفة أمر فيه بركة وخير عظيم إذا خلا هذا الاحتفال عن أصناف البدع القبيحة التي لايستحسنها الشرع الشريف.
 
وليعلم أن تحليل أمر أوتحريمه إنما هو وظيفة المجتهد كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وعن سائر السلف الصالح، وليس لأي شخص ألّف مؤلفاً صغيراً أو كبيراً أن يأخذَ وظيفة الأئمة الكرام من السلف الصالح فيُحلل ويحرّم دون الرجوع إلى كلام الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالخيرية من سَلف الأمة وخلَفها، فمَن حرم ذكر الله عز وجل وذكر شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم مولده عليه السلام بحجة أن النبي عليه السلام لم يفعله فنقول له:
هل تحرّم المحاريب التي في المساجد وتعتقد أنها بدعة ضلالة؟!
وهل تحرّم جمع القرءان في المصحف ونقطه بدعوى أن النبي لم يفعله؟!
 
فإن كنتَ تُحرّم ذلك فقد ضيقتَ ما وسع الله على عباده من استحداث أعمال خير لمتكن على عهد الرسول، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن سَنّ في الإسلام سُنةً حسَنَةً فلَهُ أجرُها وأجْرُ مَن عَملَ بها بعده من غيرأنْ ينقُصَ من أُجورهم شىء) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
 
وقال سيدنا عمربن الخطاب رضي الله عنه بعدما جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح (نِعْمَ البدعة هذه) رواه الإمام البخاري في صحيحه.
 
ومن هنا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه (المُحدثـات من الأمور ضربان أحدُهما ما أُحدث مما يُخالفُ كتابـاً أو سُنةً أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضـلالة والثانيـة ما أُحدثَ من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه مُحدثةٌ غير مذمومة) رواه الحافظ البيهقي في كتاب مناقب الشافعي ج 1 ص 469.
 
ومَن شاءَ فلينظُر ما ذكرَهُ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله من أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعةٌ حسنة ولا تصحُ فتوى من أفتى بأن الاحتفالَ بذكرى المولد بدعةٌ محرمةٌ لما تقدم من الأدلة ومثل ذلك ذكرَ العلماء الذين تُعْتَمَدُ فتواهم كالحافظ ابن دحية والحافظ العراقي والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي والشيخ ابن حجر الهيتمي والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق والشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي المالكي والشيخ مصطفى نجا مفتى بيروت الأسبق وغيرهم كثير.
 
ولاعبرة بكلام من أفتى بخلاف قولهم لأنه ليس كلام مجتهد والعبرة إنما هي بما وافق كلام العلماء المعتبرين والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يردالتحريم ودين الله يُسْرٌ وليسَ بعُسْرٍ والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
 
نسأل الله أن يجمعنا وإياكم على نشر الخير ويفيض علينا من بركات النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
 
ءامين.