إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) متفق عليه.
 
حديث (أربَعٌ مَن كُنّ فيهِ كَانَ مُنافِقًا خالصا (أي نفَاقَ عَملٍ لا نِفَاقَ إيمانٍ)، ومَن كانَت فيهِ خَصلَةٌ مِنهُنَّ كَانَت فيهِ خَصلَةٌ مِنَ النّفَاق حتى يَدعَها إذا حَدَّثَ كذَبَ وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ وإذا عَاهَدَ غَدَر (أي نقَضَ العَهد) وإذا خَاصَمَ فجَرَ (مَالَ في الخصُومَةِ عن الحقّ)) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي.
 
النِّفَاقُ نَوْعَانِ نِفَاقٌ فِي الإِيْمَانِ وَنِفَاقٌ فِي العَمَلِ، فَالمنُافِقُ فِي الإِيْمَانِ هُوَ الذِي يُظْهِرُ الإِسْلامَ وَيُخْفِي الكُفْرَ فِي قَلْبِهِ كَأَنْ يِكُونَ عِنْدَهُ شَكٌّ بِصِحَّةِ الإِسْلامِ فَهَذَا مُنَافِقٌ وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالى (إِنَّ المنَافِقِيْنَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (سورة النساء 145)، الكُفَّارُ في الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ أَي في نِهَايَةِ قَعرِ جَهنَّمَ.
إذًا المنَافِقُ في الاعتِقَادِ هُوَ الشَّخصُ الَّذِي يَعتَقِدُ الكُفرَ وَيُظهِرُ خِلافَهُ، بِلِسَانِهِ يَقُولُ لا إلـٰهَ إلا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ وَبِقَلبِهِ لا يَعتَقِد.
 
وَأَمَّا المنَافِقُ فِي الفُرُوعِ أو المنَافِقُ فِي العَمَلِ فَهُوَ المسلِمُ الَّذِي يُؤمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ لَكِن يُكثِرُ الكَذِبَ، وَيُكثِرُ الإِخلافَ في الوَعدِ إِذَا وَعَدَ، وَيُكثِرُ مِنَ الخِيَانَةِ لِمَن يَأتَمِنُه، وَإِذَا اشتَرَى مِن إِنسَانٍ بِثَمَنٍ بِالذِّمَّةِ لا يُؤدِيه، قَد يَقُولُ مَا لَكَ عِندِي شَىء، أَو يَقُولُ دَفعتُ لَكَ وَهُوَ لَم يَدفَع، وَإِذَا خَاصَمَ يَفْتَرِي عَلَى الشَّخْصِ الذِي يُخَاصِمُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ فِي صِفَةِ المنَافِقِ (ءَايَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ) مَعنَاهُ يَغلِبُ عَلَيهِ الكَذِبُ في الكَلامِ، وَالإِخلافُ في الوَعدِ، وَالخِيَانَةُ في الأَمَانَةِ، (إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ) أَي إِذَا تَكَلَّمَ يَغلِبُ عَلَيهِ الكَذِبُ في كَلامِهِ، وَلَيسَ المرَادُ الَّذِي يَحصُلُ مِنهُ بَعضُ الكَذِبِ المرَادُ الَّذِي يَكذِبُ بِكَثرَةٍ.