إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قولُ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابِه (ألا تَصُفُّونَ كمَا تَصُفُّ الـملائكةُ عندَ ربّها) رواه مسلـم، معناهُ الـملائكةُ يَصُفُّون صُفُوفًا، عندَ ربها معناهُ في الـمكانِ الذي شَرّفَه الله، كلُّ سـماءٍ مـمتلئة بالـملائكةِ يُصَلّونَ صُفُوفًا كما نحنُ نُصَلّي صفوفًا، الله موجود بلا جهة ولا مكان.
ءاسية زوجةُ فرعون قالت (ربّ ابنِ لي عندَك بيتًا في الجنّة وَنَجّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) معناه في الـمكانِ الذي شرّفتَه، الجنّة مشرّفةٌ عندَ الله، فلو كانَت عندَ تُوجِبُ القُربَ الـمكانيّ فعلَى قولهِم يَلزَمُ أن تكونَ ءاسيَة زوجة فرعَون التّقيّة الصّالحة جارة لله بالـمكان وهذا مِن أبشَعِ الكفر.
 
فقد ثبتَ في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه والبزار من حديث أبي ذر مرفوعا (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد) الحديث، وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني من حديث جابر مرفوعا (ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد) وللطبراني نحوه من حديث عائشة، وفيه دليلٌ على أنه يستحيل على الله أن يكونَ ساكنَ السماءِ وإلا لكانَ مساويًا للملائكةِ مزاحِمًا لهم.
 
قال الله تعالى (ليس كمثلِه شىء) [سورة الشورى11]، أي أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة، فلا يحتاج إلى مكان يحُل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها، بل الأمر كما قال سيدنا عليّ رضي الله عنه (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان) رواه أبو منصور البغدادي.
وفي هذه الآية دليلٌ لأهل السنة على مخالفة الله للحوادث، ومعْنى مُخالفةِ الله للحوادِثِ أنّه لا يُشْبِهُ المخْلُوقاتِ، وهذِه الصِّفةُ من الصِّفاتِ السّلْبِيّةِ الخمْسةِ أي التي تدُلُّ على نفْي ما لا يلِيْقُ بالله.
 
والدّلِيْلُ العقْلِيُّ على ذلِك أنّهُ لو كان يُشْبِهُ شيْئًا مِنْ خلْقِه لجاز عليْهِ ما يجُوزُ على الخلْق مِن التّغيُّرِ والتّطوُّرِ، ولو جاز عليْهِ ذلِك لاحْتاج إلى منْ يُغيّرُهُ والمُحْتاجُ إلى غيْرِه لا يكُونُ إِلهًا، فثبت لهُ أنّهُ لا يُشْبِهُ شيئًا.