إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد فقد جاء في صحيح الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى أن رسولَ الله قال (إذا أسلمَ العبدُ فحسن إسلامُه فكلُ حسنة يعملُها تكتب بعشر أمثالِها إلى سبعمائةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ).
 
معنى هذا الحديث أن الإنسان إذا أسلمَ وكان إسلامُه حقيقياً بأن وافقَ باطنُه ظاهرَه، لأن معنى الإسلام هو الانقيادُ بالنطق بالشهادتين، وهذا الانقياد الظاهريُّ يُسَمَّى الإسلام لكنه لا يكون مقبولاً إلا مع الانقيادِ الباطنيّ وهو أن يؤمنَ إيماناً جازماً بمعنى الشهادتين فمن تحقق فيه هذا أي النطقُ بالشّهادتين مع الاعتقاد الجازم بمعناهُما فكل عمل يعمله هذا العبد لله تعالى مخلِصاً في نيته فإن له بكل حسنة عشرَ أمثالها، هذا أقل ما يكتب للعبد المسلم، ثم يضاعف الله تعالى الحسنة الواحدةَ لمن يشاء إلى سبعمِائة ضِعف ويزيد من شاء على ذلك إلى أضعاف كثيرة، قد تكتب الحسنة الواحدة بمائة الفِ حسنة وقد تكتب بألف الفٍ وقد تكتب بأكثرَ من ذلك، وذلك على حسب حُسْن عمل الشخص وقوة يقينه وصدقِ نيته، من هنا قال رسول الله عليه السلام (سَبَقَ دِرهَمٌ مائَةَ أَلفِ دِرهَمٍ).
قيل كيف ذلك يا رسول الله؟
قال (رَجُلٌ تصدق بمائة ألف من عُرْض ماله، ورجل ليس له إلا دِرهمان تصدقَ بأحدِهما).
المعنى أن هذا الذي يملك درهمين فقط فتصدق بأحدهما لوجه الله تعالى دليل على صِدق نيته وقوةِ يقينه فبذلك زاد أجرُ هذا الدِّرهم الواحد على أجر مائةِ ألف درهم يتصدق بها الرجل الموسر الغنيّ من عُرْض ماله أي يكون المائة ألف بالنسبة إلى كثرة ماله قليلاً من كثير، هذا زاد عليه، هذا الذي تصدّق بدرهم واحد زاد عليه بقوة اليقين لأنه لولا قوةُ اليقين لا يتصدق بنصفِ ما يملكه، لولا قوةُ يقينه بالله واليوم الآخر والثواب من الله تعالى وإقبال قلبِه على الآخرة، فلذلك زاد هذا الدرهم على المائةِ ألفِ درهم، وهكذا سائر الأعمال الصالحة يعملُها العبدُ المسلم، يكون تفاوت الأجر في ذلك على حسب قوة اليقين وصدقِ النيةِ وحُسنها، هذا كلُه لا يثبت لأحد إلا بالثّبات على الإسلام أي تجنُبِ الكفريات القوليةِ والفعلية والاعتقادية.
 
فمن ثبت على الإسلام وأحسن نيتَه أي أخلص لله تعالى ووافق في عملِه شرع الله الذي جاء به نبيُه له هذا الأجر والله تبارك وتعالى غنيٌّ شكُور لا يعجزه شىء وهو اْكرمُ من أعطى.
 
فأهَمُّ الامورِ هو موافقة شرع الله تبارك وتعالى والثباتُ على ذلك أي حفظُ الجوارح والقلبِ حفظُ اللسان وحفظُ البدن وحفظُ القلب فمن لم يحفظ جوارحه أي لسانَه وبدنه وقلبَه مما يُحبط العمل فإنَّه كالذي يبني ثم يهدِم، يبني ثم يهدِم يبني ثم يهدم، فهذا الذي إذا غضب يقع في كفرية، إذا خاصَمَ إنساناً فغضب يقع في كفرية، يسب خالقه بدل أن يسب الشخص يسب خالقه أو يسب دينَه أو يسب نبياً من أنبيائِهِ أو ملكاً من ملائكته أو يغيّر اعتقادَه عن الاعتقاد الإسلامي الإيماني إلى ما يخالفه.
 
كثيراً ما يَعرض للإنسان تغير الاعتقاد، مثلاً يكون الشخص على الاعتقاد الإسلامي ثم يجتمع بأناس يعتقدون خلاف ذلك إما علانِية أي يعلنون انتسابَهم إلى غيرِ الإسلام فيتكلمون بما يخالف الإسلام فيعتقد هذا المسلمُ هذا الاعتقاد الفاسدَ الكفريَ فيكون خرج من الإسلام عند الله بتغيُر اعتقادِه. اهـ
 
رحم الله من كتبه ومن نشره