إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

فائدةُ الاستيداعِ
 
رَوى الطَّبرانيُّ والبيهقيُّ عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنّهُ قَالَ سمعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِذَا استُودِعَ اللهُ شَيْئًا حَفِظَهُ).
 
الشّخصُ عندَما يخرُجُ منَ البيتِ يقولُ اللَّهُمَّ إنّي أستَودِعُكَ هذا المنزِلَ وما فيهِ، أو يقولُ اللَّهُمَّ إنّي أستودِعُكَ هذا المنزِلَ ومَنْ فيه وما فيهِ أو أستودِعُكَ أهْلِي أو يقولُ أستَودِعُكَ سيارتي هذِه عندَما ينزِلُ منها ولا يُشتَرَطُ أنْ يمسَّ الشّىءَ، فقط اللفظُ يكفِي، الذي يقولُ عندما يخرجُ منَ البيتِ اللهُمّ إنّي أستَودِعُكَ أهْلي ومالي وهذا البيتَ، اللهُ يَحفَظُ بَيتَهُ وأهْلَهُ ومَالَهُ.
 
رجلٌ في أيّام سيّدِنا عمرَ جاءَ معَه ولدٌ يحمِلُه على عاتقِه كأنّه هوَ، شَبَهُهُ بأبِيهِ إلى حَدٍّ بَعِيدٍ، الولَدُ كانَ يُشْبِهُ أباهُ شَبَهًا قَوِيًّا، استَغْرَبَ سيّدُنا عمرُ قالَ ما رأيتُ غُرابًا أشبَه بغُرابٍ مِن هذا بأبِيه، معناهُ الابنُ شَديدُ الشّبَهِ بأبيهِ كما الغُراب بالغُراب، قال يا أميرَ المؤمنينَ هذا الغُلامُ له قصةٌ لقَد ولَدَتْه أمُّه وهي ميّتَة، قال ويْحَك وكيف ذاكَ، قال جَاءنا أمرٌ للجهادِ، للغَزوِ، وكانَتْ أمُّه حَامِلا به في الحالِ الأخيرِ، فقُلتُ اللهُمّ إني أستَودِعُكَ هذا الحَمْلَ.
 
ثم غَابَ فلمَّا رجَعَ قيلَ لهُ ماتتِ امرأَتُكَ فحَزِنَ عليها، ثم ذات ليلةٍ كانَ يجلِسُ مع أهلِه في البَرّيةِ، مع أبناءِ عمِّه يتحَدَّثُ، فصَارَ يَرى نارًا منَ القبُورِ لأنّ جَبّانةَ البقيع التي دُفِنَتْ فيها كانَت مكشُوفةً، قيلَ له هذا نَراه مِنْ قَبرِ زَوجَتِكَ فحَزِنَ قال إنها كانَت صَوّامةً قوّامَةً، أي تُكثِرُ الصّلاةَ والصّيامَ، فذَهَبَ معَهُم وأخذَ فأسًا فإذا بالقَبْرِ فُرجَةٌ، الأمُّ ميّتةٌ والولَدُ يَدِبُّ حَولهَا ثم سمِعَ هَاتِفًا (يا أيُّها المُستَودِعُ ربَّهُ خُذْ ودِيْعَتَكَ ولو استَودَعْتَهُ أُمَّهُ لحَفِظَها) (1).
 
وهَذهِ النارُ التي رءاها ليسَت نارَ عذابٍ، ما رأوها مُعذَّبةً، رأَوهَا كإنسانٍ نائِم ولكِنِ الوَلدُ يدِبُّ، في الأوّلِ خافَ الرجلُ ظنَّها نارَ عذابٍ، استَغْربَ، لكنْ لما وصَلَ إلى هناكَ وشَاهَدَها كهيئةِ نائِمةٍ وشاهَدَ الولدَ يدِبُّ فَرِحَ، هذه النارُ ليسَتْ مِنْ عذابِ القبرِ، النارُ هيَ دلَّتْهُم، لولا هذهِ النّارُ منْ يخبِرُهُم، قَبلَ ذلكَ أقارِبُه رأَوُا النارَ لكنْ ما ذَهبُوا ليَتأَكّدُوا ما هوَ السّبَبُ، ظَنُّوهَا نارًا حقيقيّةً.
 
وهذه القصّةُ مَذكورةٌ في كتاب مَن عاشَ بَعدَ الموت لأبي بكر عبدِ الله بنِ محمد بنِ عبيد الله بنِ أبي الدنيا.
روى النسائي وغيرُه من حديث عبد الله بنِ عمرَ قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (كانَ لقمانُ الحكيم يقولُ إنّ اللهَ إذا استُودِعَ شَيئًا حَفِظَه).
 
وروى الطبرانيّ والبيهقيّ عن ابنِ عمرَ أنّه قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ (إذا استُودِعَ اللهُ شَيئًا حَفِظَهُ).
 
وروى الطحاويُّ وغيرُه عن عبد الله بنِ عمرَ أنّه لما كانَ يُودِّعُ بعضَهُم يقولُ مكانَكَ حتى أُودِّعَكَ كما وَدَّعَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثم أخذَ بيَدِه وصَافَحَهُ ثم قال (أَستَودِعُ اللهَ دِينَكَ وأمَانَتَكَ وخَواتِيْمَ عَمَلِك) رواه أبو داود والترمذي.
 
(1) الذي كلَّمَه ملَكٌ منَ الملائكةِ.