إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة التواضع) رواه الحافظ ابن حجر في الأمالي وقال حديث حسن.
والتواضع مطلوب مع الكبار والصغار والأغنياء والفقراء لوجه الله تعالى، أما التواضع للغني لغناه فمذموم، والتكبر مذموم في وجه المؤمن وغير المؤمن، لأن الأنبياء لما دعوا الكفار إلى الدين ما كانوا متكبرين عليهم لأنهم لو كانوا متكبرين في وجوه الكفار لنفروا منهم، وأحوال النبّي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء تدل على ذلك.
كان رجل من اليهود يعامل النبي صلى الله عليه وسلم ببيع إلى أجل ثم جاء اليهودي إلى النبي قبل حلول الأجل فقال (يا بني عبد المطلب إنكم مُطلٌ) فلم يعنفه النبي ولا أظهر الغضب منه، ثم أمر النبي بوفاء دينه على وجه الإحسان.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكفهر في وجه هذا اليهودي الذي أهانه من ذمه وذم عشيرته لأن كلامه شامل له ولعشيرته فكأنه قال (أنت يا محمد وعشيرتك تماطلون الدين) فأسلم هذا اليهودي لأنه أراد أن يمتحنه هل يجد فيه العلامات التي هي مذكورة في بعض الكتب القديمة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فلما رءاها كلها أسلم.
قصة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه واليهودي الذي أسلم:
كان سيدنا أحمد ذات يوم يمشي مع جمع من مريديه فعلم بذلك يهودي كان يسمع أن السيد أحمد الرفاعي حليم متواضع فأراد أن يمتحنه هل هو كما يصفه الناس أم لا فأتى إليه وقال له:
يا سيد أنت أفضل أم الكلب؟
فقال السيد أحمد رضي الله عنه (إن نجوتُ على الصراط فأنا أفضل)، فأسلم اليهودي وأسلم أهله وكثير من معارفه، فلولا أنه تواضع معه لم يسلم، فلو كان أظهر في وجهه أنه غضب ولو كان اكفهر في وجهه أو قال له كلمة شتم ما رغب في الإسلام لكنه أعجبه شدة حلمه وتواضعه فاعترف اليهودي في نفسه بأن دين هذا السيد صحيح.