إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ و آلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
 
يقول الله تعالى في محكم التنزيل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)﴾ سورة الحجرات.
 
لقد سمّى اللهُ الـمؤمنين إخوة لـما بينهم من رابِطَةِ الدّين والعقيدة، ورابطَةُ العقيدة أقوى رابط وبيَّنَ رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلـم الطرِيقَ إلى مُقَوّمات الأُخُوَّة فقال عليه الصلاة والسلام (إياكم والظنَّ فإنَّ الظن أكذَبُ الحديثِ ولا تَحَسَّسُوا ولا تَجَسَّسُوا ولا تَنَاجَشُوا ولا تَحَاسَدُوا ولا تبَاغَضُوا ولا تَدابَرُوا وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا) رواه البخاري.
 
فقوله صلى الله عليه وسلـم (إياكم والظنَّ) أراد به النهي عن تحقيق ظّنّ السوء وتصديقه من غير قرينةٍ معتبرةٍ شرعًا ولـم يُرِدْ ما يهجس بالقلب من خواطر الظنون فإنها لا تُـملك.
 
وروي عن عُمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه أنه قال (لا يـحِلُّ لـمسلـم يسمَعُ من أخيه كلـمةً أنْ يظنَّ بها سوءًا وهو يَـجِدُ لـها في شيءٍ من الخيرِ مصدرًا) أي محملًا، انظر شرح البخاري لابن بطال.
 
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (من عَلـم من أخيهِ مروءَةً جميلةً فلا يَسمعنَّ فيه مقالاتِ الرجال، ومن حسُنَت علانيتُهُ فنحن لسَرِيرَتِهِ أَرْجَى).
فالـمراد بالظن هنا التُّهَمَةُ التي لا سببَ لـها كمَن يتهم رجلا بالفاحِشَةِ من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها ولذلك عَطَفَ على الظنّ.
 
قولَه (ولا تَحسَّسُوا) وذلك أنّ الشخص يقع له خاطرُ التهمة فيريد أن يتحقق فيتحسس ويبحث ويتسمَّع فَنُهِيَ عن ذلك، فالتحسس إخوةَ الإيـمان هو البحث عن عورات الناس بالعين أو الأذن، وأما التجسس فهو البحث عن ما خفي من الأمور وأكثر ما يقال ذلك في الشر.
 
وأما التناجش الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام فهو من النَّجْشِ وهو أن يزيدَ الشخص في ثـمنِ السلعة وهو لا يريد شراءها بل ليَغُرَّ غيرَهُ فيشتريَها كأن يقول هذه أدفع فيها كذا وكذا ويذكر ثـمنًا عاليًا ليخدع الـمشتري فيظن أنّه إن اشتراها بالسعر الـمعروض يكون رابحًا، وهذا النجش حرام فإنه لا ينبغي للـمسلـم أن يخدع أخاه.
 
وأما الحسد فهو تَـمَنّي زوال النِّعْمَة عن الـمسلـم مع العمل بـما هو في قلبه من إرادة إزالة تلك النعمة عن ذلك الـمسلـم وهو حَرَام.