إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
– روى الإمامُ مسلمٌ في صحيحهِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ”. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: “إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ”.اهـ
– اعلموا رحمكم الله أن هذا الحديث ورد في سياق النَّهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاعُ على النَّاس واحتقارهُم ودفعُ الحقِّ.
ومعنى قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ” أنَّه لا يدخلُ الجنَّةَ مع الأولين، وإنما يدخلُها بعد عذابٍ، إن لم يعفُ اللهُ عنه.
– وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللهَ جَمِيْلٌ” أي جميلُ الصفاتِ، فصفاتُه تعالى كاملةٌ لا نقصَ فيها، وله الأسماءُ الحسنى وصفاتُ
الكمال اللائقةِ به سبحانَه. أو جميل بمعنى مـُجْمِلٌ مُحْسِنٌ، أي يُحسِنُ لعبادِه ويتكرّمُ عليهم بنِعَمِه. ككريم بمعنى: مُكْرِم. اهـ
– وليس معنى “جميل” جمالَ الشكلِ والصورةِ، حاشا لله، فاللهُ تعالى هو خالقُ الصّوَرِ والهيئاتِ والأشكالِ، فهو سبحانَهُ لا صورةَ ولا هيئةَ ولا شكلَ له، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السّمِيعُ البَصِير﴾ سورة الشورى/11.
قال البيهقي في الأسماءِ والصفاتِ: وقال الخطابيُّ:الجميل هو الـمُجمِل المحسِن، فعيل بمعنى مُفْعِل.اهـ
– قال ابن الأثير في النهاية في غريب الأثر، في باب الجيم مع الميم: الحديث [ إن اللّه تعالى جَمِيل يُحِبُّ الجمَال ] أي حَسَنُ الأفْعال
كَامِلُ الأوْصاف. اهـ
– ومعنى قولِه صلى الله عليه وسلم:” يُحِبُّ الجَمَالَ” الإحسانَ، أي أن يتخلَّقَ عبادُه بالخُلُقِ الحَسَنِ، أن يُحْسِنوا لمن أحسنَ إليهم ولمن أساءَ إليهم، وأن يَكُفُّوا ءاذاهُم عن غيرهِم، وأن يَصْبِروا على أذى الغير. أو معنى يحب الجمال: أي يحب التجمّلَ منكم في الهيئة، في الثوب والبدن، وكذلك يحب النظافةَ لأن تنظيفَ الثوبِ والبدن مطلوبٌ
شرعًا وعُرفًا، فقد روى أبو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله جميل يحب الجمال، يحب أن يرى أثر نعمته على عبده». اهـ
– وليس معنى يحب الجمال: أي جمالَ الشكل، لأن جمالَ الشكل لا كسبَ للإنسانِ فيه، ولا يُحَاسَبُ يومَ القيامة على الصّورةِ التي خلقَه اللهُ عليها وإنما يُحَاسَبُ على نيّتِهِ وعَمَلِهِ. ثم إنَّ جمال الشكل يتصف به المؤمنُ وغيرُ المؤمن، والله تعالى يقول: فإن الله لا يحب الكافرين. اهـ
– قال ابن الأثير في النهاية في غريب الأثر، باب النون مع الظاء، في شرح ما روي في الحديث: [ إن اللَّه تَبارَك وتعالى نَظيفٌ يُحبُّ
النَّظافة ] نَظافة اللَّه: كناية عن تَنَزُّهِه من سِمات الحَدَث وتَعالِيه في ذاتِه عن كل نَقْص. وحُبُّه النَّظافةَ من غيره كنايةٌ عن خلوص العَقيدة ونَفْيِ الشِّرْك ومُجانَبة الأهْواء، ثم نظافة القلْب عن الغِلّ والحِقْد والحَسد وأمثالِها ثم نَظافة الـمَطْعَم والـمَلْبَس عن الحرام
والشُّبَه ثم نظافة الظاهر لِمُلابَسة العبادات. اهـ
– وأما قوله صلى الله عليه وسلم: الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ: “بَطَرُ الحَقِّ” فهو دفعُه وإنكاره ترفُّعًا وتجبُّرًا، ” وَغَمْطُ النَّاسِ” أي احتقارُهُم. اهـ
===========
زيادة فائدة وتحذير
وهي التَّحذيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ (اللهُ يُحِبُّ الْحِلْوين) لأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِيهَا مُعَارَضَةٌ لِقَوْلِهِ تعالى “فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرين”
وَلِذَلِكَ هِيَ تكذيب للدين، وَكَثِيرٌ مِنَ الَّذينَ هُمْ جُملاءُ الصُّورَةِ كُفَّارٌ فلا يُقَالُ اللهُ يُحِبُّهُمْ، بَلْ يُقَالُ اللهُ يُحِبُّ الْمُؤْمِنينَ.